
سكان العريش المصرية بعد بداية حملة هدم وإزالة المنازل : "لن نترك بيوتنا إلا إذا هدمت علينا"
"أنتم لا تشعرون بنا، ولا تعلمون كيف حرمنا أنفسنا من اللقمة حتى نبني بيتا يسترنا".. بصرخات تملؤها الحسرة، يخاطب رجل في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء المصرية، قوات الشرطة التي حضرت بمعدات لهدم منزله.
مواطن يوجه رسالة حادة لضباط الشرطة المشاركين في هدم منزله ضمن حملة هدم وازالة المنازل بمحيط ميناء العريش، بناءً على القرار الرئاسي رقم "465 لسنة 2021" بنقل تبعية ميناء العريش ونزع ملكية الأراضي المحيطة به لصالح القوات المسلحة.
حدث ذلك المشهد بينما تنفذ السلطات المصرية عمليات هدم وإزالة لمساكن، بناء على قرار رئاسي بنقل تبعية ميناء العريش، ونزع ملكية الأراضي المحيطة به، لصالح القوات المسلحة.
وتكشف مديرة وحدة التوثيق بمؤسسة "سيناء لحقوق الإنسان"، إيمان محمد جاد، أن صاحب البيت الذي تم هدمه الأحد، يدعى مُحرّم، "وهو ليس الحالة الأولى"، مشيرة إلى أن "هناك حملة أمنية تتحرك يوميا لهدم منازل خاضعة للقرار الرئاسي".
وتشهد العريش وقفات احتجاجية للسكان الذين يرفضون إخلاء منازلهم، تزامنا مع تنفيذ عمليات هدم واسعة تمهيدا لتوسعة الميناء.
يا رب على الظالم ومن عاون الظالم pic.twitter.com/NbLnF4q3NH
— عصام (@Q1Ud8iCqzNOuDkr) May 21, 2023
وبينما كان مُحرّم يصرخ ويوجه رسالته الحادة لضباط الشرطة، رد عليه أحدهم بأن الإزالة تأتي في إطار عملية "التنمية"، لكنه رد بأنه يعتبرها "تنمية على (حساب) راحة البني آدم الغلبان، لولانا كان الإرهابيون أكلوكم أكل".
ومنذ فبراير 2018، أطلقت قوات الجيش والشرطة عملية واسعة النطاق ضد الإسلاميين المسلحين في شمال سيناء والصحراء الغربية.
ويشير القرار الرئاسي رقم 465، المنشور في الجريدة الرسمية في 16 أكتوبر 2021، إلى "نقل تبعية ميناء العريش، وإعادة تخصيص كافة الأراضي المحيطة بالميناء واللازمة لأعمال التطوير، لصالح القوات المسلحة، بإجمالي مساحة 541.82 فدان..".
وتكشف مديرة وحدة التوثيق بـ"سيناء لحقوق الإنسان"، وهي منظمة حقوقية مقرها لندن، أن هذا القرار يؤثر على 28 ألف شخص، يمتلكون منازل في هذه المنطقة.
وتقول: "حين صدر القرار الرئاسي، أكد المحافظ، عبد الفضيل شوشة، أنه لن يتم إخراج أي شخص من بيته إلا حين يحصل على التعويض أولا، ثم عاد وقال إن الأهالي يجب عليهم تسليم أصول ملكية الأرض ورخصة البناء، ورخصة توصيل مرافق، ورخصة تقسيم المحافظة، ثم تتم عملية الهدم ويتم الحصول على التعويض بعدها مباشرة".
وتضيف: "لكن ما يحدث أن الحملة الأمنية تأتي وتخلي المنطقة، ثم تقوم الأسرة بعمل تظلم على موقع إلكتروني تابع للحكومة خلال 48 ساعة من عملية الهدم، ثم يتم صرف التعويض خلال شهر إلى ثلاثة أشهر. هؤلاء الناس يظلون بلا سكن لفترة.. وبعضهم يشرد لأنه لا يملك الأموال اللازمة لتأجير مسكن"، وذلك خلافا لحديث شوشة، الذي سبق أنه صرح بأنه يتم توفير مساكن بديلة لفترة تمتد لثلاثة أو أربعة أشهر.
صفونا كلنا.. طلع سلاحك وصفينا
كلمات وجهها أحد السكان لقوات الأمن المشاركة في حملة تنفيذ ازالة منازل المواطنين بمنطقة حي ميناء العريش بناءً على القرار الرئاسي رقم "465 لسنة 2021" بنقل تبعية ميناء العريش ونزع ملكية الأراضي المحيطة به لصالح القوات المسلحة.
وأشارت جاد إلى أن من يتم هدم منازلهم هم الأهالي التي سلمت أصول ملكيتها للأرض والمباني للحكومة، مشيرة إلى أن "الناس الذين سلموا أوراقهم فعلوا ذلك، لأنهم خافوا من التهديدات التي تعرضوا لها، بأنه سيتم هدم منازلهم سواء رضوا أم لم يرضوا وأن من لم يسلم أوراقه لن يحصل على تعويض".
وأضافت: "هناك عرف بأنه لا يتم هدم منازل الأهالي، التي لم تسلم أوراقها، وهو ما ينطبق على بيت محرّم المبني منذ 15 عاما تقريبا"، مشيرة إلى أنه "وقعت بعض المناوشات بسبب عمليات هدم منازل أهالي لم يسلموا أوراقها".
النهاردة خدو الشباب في المدرعة وعجنوهم ضرب وكسرو موبايلاتهم خلو الدم ينزل من وجوههم وجسمهم والشباب والعجايز والشيوخ بيقول هنزيد اكتر ومصممين علي موقفنا اكتر ومش هنسلمهم بيوتنا خليهم يقتلونا تحتها
في المقابل، يقول سلامة سالم الرقيعى، عضو مجلس النواب السابق عن شمال سيناء، إن "ميناء العريش تم تحويله من ميناء صيد إلى ميناء تجاري عام 1996، وحينها تم منح مساحة للتوسع شرقا بطول كيلومترين بقرار جمهوري".
وأضاف: "رغم القرار الجمهوري، بنى الأهالي مساكن على أجزاء من تلك المساحة المخصصه للميناء دون تنظيم، فأصبحت هناك تعديات لم يتم تداركها في حينه، ثم صدر قرار بتبعية الميناء للمنطقة الإقتصاديه التابعه لقناة لسويس، ولحقه قرار آخر باعتبار الميناء ومحيطه من أراضي المنفعة العامة".
وتابع: "كما هو معلوم فإن أراضي المنفعة العامة، حتى لو كانت أصلا ملكية خاصة، تستوجب النزع للمصلحة العامة ويتم تقديم التعويض المناسب".
ويرى الرقيعي أن "التعويضات حددت، عند صدور قرار المنفعة العامة بتقدير مناسب في ذلك الوقت.. ويسري التعويض على الجميع وفق ما تم حسابه وقتها".
ومن أمام منزلها المهدم، تقول إحدى السيدات إنها بنت منزلها قبل 10 سنوات بقرض من البنك، ولا يزال أمامها 5 سنوات لسد هذا الدين، "لكن التعويض المعروض لا يكفي لسداد قيمة ما يتبقى من أقساط".
وتضيف: "بنيت هذا المنزل لأولادي الـ8 ليعيشوا حياة كريمة.. كنت في عملي وحين عدت وجدتهم هدموا المنزل دون إخطار أو تعويض، الكل يعلم أن أوراقي سليمة ولم أسلمها لأنني لا أريد أن يهدم منزلي، ولا التعويضات، لا أعلم من أخاطب، لا أحد يرد علينا، من سيسدد لنا القرض"؟
دي أختي صاحبه البيت اللي هديتوه
— عصام (@Q1Ud8iCqzNOuDkr) May 20, 2023
حي ميناء العريش pic.twitter.com/tK3lkW8TLA
وتضيف بأسى، وهي تشير إلى البيت المهدم "هذه هي الحياة الكريمة التي يتحدث عنها الرئيس، أنا لا أريد أن أتحدث أكثر من ذلك، فنحن نعلم ماذا يفعلون بمن يتحدث".
وفي فيديو آخر، ومن أمام منزله المهدم، يقول حسين محمود حمدان النجار، وهو مواطن من الريسة: "بنيت هذا البيت بقرض من البنك، ولا يزال أمامي أقساط لخمس سنوات مقبلة، ولي 8 أولاد، لا أعلم أين سأذهب بهم".
لكن الرقيعي يقول إنه "في توقيت صدور قرار المنفعة العامة تم التنبيه على السكان بالإخلاء، وبالتالي أصبح التواجد في المنازل أو الأماكن المراد إخلاؤها مسئولية هؤلاء الأشخاص".
وفي سبتمبر الماضي، قال محافظ شمال سيناء، فى تصريحات صحفية، إن المرحلة الأولى من تطوير ميناء العريش تكلفت حتى الآن 8 مليار جنيه، فى الأعمال البحرية.
وأوضح: "قمنا بعمل حصر شامل للمبانى والمنشآت الموجودة بمنطقة الميناء وكانت نتيجة الحصر وجود 1108 منشآت سكنية، و32 مبنى تجاريا و23 منشأة حكومية بخلاف المنشآت الأخرى (..) وطبقا للقرار الجمهورى فإن المنشات الحكومية لا يتم صرف تعويضات عنها ".
وأضاف أن "الجهة التى حددت قيمة التعويضات بمنطقة الميناء هى هيئة الخدمات الحكومية وجاءت تقديراتها أعلى من تقديرات المحافظة، إذ كان سعر المتر في الأراضي المسجلة بالشهر العقارى ألف جنيه، وسعر متر أراضى التقسيم المعتمد من المحافظة 700 جنيه، وسعر المتر في الأراضى بعقد ابتدائى أو عرفى مع رخصة بناء 500 جنيه".
وبالنسبة للمباني السكنية، فقد قال المحافظ، إنه سيتم تعويض المواطنين على ماهو مبنى بالفعل، وليس على ماهو مثبت فى رخصة البناء.
وقال: "ستتم محاسبة أصحاب المبانى بسعر 3500 جنيها للمتر، أى أن شقة مساحتها 100 متر سيكون تعويضها 350 ألف جنيه، بخلاف سعر الأرض".
لكن إيمان ترى أن "الأزمة في أن قيمة التعويضات تم وضعها من قبل لجنة، قَيّمت المباني عام 2020، ثم حدث تعويم للجنيه مرتين على الأقل منذ ذلك الحين (وفقد أكثر من نصف قيمته)".
وأضافت: "اعترض الناس معتبرين أن التعويضات هزيلة للغاية، واستعانوا بلجنة من نقابة المهندسين على حسابهم الشخصي وطلبوا منها تقييم سعر الأرض والبيت والزرع والشجر، وكان التقييم ضعف ما تم تحديده رسميا، على الأقل، لكن المحافظ حتى الآن غير معترف بهذا الأمر".
وأكدت إيمان أن عددا من الأهالي استلموا التعويضات رغم أنهم كانوا معترضين، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء إلا أن يرفعوا دعاوى قضائية".
وأظهرت لقطات فيديو، نشرتها صفحة "الأهالي المتضررة من إنشاء ميناء العريش" على فيسبوك، الاثنين، تجمع عدد من أهالي شمال سيناء وهم يحتفلون بصدور حكم قضائي لأحدهم بوقف هدم وإزالة منزله.
ونقل موقع "صدى البلد"، الأحد، عن محافظ شمال سيناء قوله إنه "سيتم منح 20 في المئة زيادة عن التعويض المقرر سابقا لسكان حي الميناء، لمن لم يصرف التعويض حتى الآن، سواء كان بالمرحلة الأولى أو الثانية أو الثالثة (..) وسنسعى لدى القيادة السياسية ليحصل الجميع على هذه الميزة ليتساوى الجميع".
وقبل صدور القرار الرئاسي رقم 465 لعام 2021، هدم الجيش أكثر من 12 ألف و300 مبنى سكني وتجاري ما بين عامي 2013 و2020، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي استندت إلى وثائق رسمية وشهادات جمعتها بالتعاون مع مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.
وقالت كذلك أن الجيش قام "بإزالة أو غلق" قرابة ستة الاف هكتار من الأراضي الزراعية حول العريش ومعبر رفح، على الحدود مع غزة.
وقال جو ستورك نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش في بيان حينها إنه "يتعين على الحكومة المصرية أن توقف الطرد التعسفي والهدم، والإسراع بصرف التعويضات العادلة بشكل شفاف للجميع، وضمان عودة السكان المطرودين الى ديارهم في أسرع وقت ممكن".
وحين صدر القرار الرئاسي 465 لعام 2021، حذر مدير مؤسسة "سيناء لحقوق الإنسان"، أحمد سالم، من "تهجير وشيك لآلاف الأسر في المنطقة، ضمن مخططات غامضة ومُجحفة للجيش أفرغت شمال سيناء من الآلاف من السكان في السنوات القليلة الماضية، تحت غطاء من المبررات التي لا تراعي الضمانات اللازمة للتهجير القسري وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
والاثنين، أصدر عدد من أهالي حي ميناء العريش، بيانا مصورا، أعلنوا فيه رفضهم إخلاء منازلهم، بسبب "عدم توفير أماكن بديلة للمراحل السابقة، وعدم صرف تعويضات مجزية، وعدم مصداقية المحافظ في نقل المعلومات للمسؤولين"
وقال الأهالي، إن "ما تم إزالته من مباني يكفي لعشر موانئ وليس ميناء واحدا".بيان من أهالي حي الميناء في العريش اليوم pic.twitter.com/y5Ddg5GcZT
— عصام (@Q1Ud8iCqzNOuDkr) May 22, 2023
وناشد الأهالي رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بالتدخل السريع معتبرين أن "أهالي ميناء العريش يعانون ويئنون، ولا يذوقون طعم الراحة منذ ثلاث سنوات، نريد قرارا سريعا بعدم هدم المنازل، لأننا لن نترك بيوتنا إلا إذا هدمت علينا".