عملية عسكرية في مستشفى ناصر بغزة تسبب بأوضاع فوضوية كبيرة وتعرض حياة المرضى للخطر
تزداد الأوضاع فوضوية وحدة في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، في ظل العملية العسكرية الإسرائلية التي لا تزال تجري هناك منذ الخميس، والتي تخللتها اعتقالات لأشخاص تتهمهم إسرائيل بالضلوع في هجمات 7 أكتوبر، فيما يعاني المرضى والجرحى الذين لا يزالون بالمستشفى، بينما تتعالى الأصوات والمناشدات من منظمات دولية تدعو لتوفير المساعدة لهم.
ماذا يجري؟
أعلنت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، الجمعة، وفاة 4 مرضى في مجمع ناصر الطبي في خان يونس، بعد توقف الأكسجين جراء انقطاع الكهرباء، في استمرار للأوضاع المتدهورة في المستشفى.
وأوضحت الوكالة نقلا عن مصادر طبية، أن "4 مرضى في غرفة العناية المركزة فارقوا الحياة نتيجة توقف الأكسجين بعد انقطاع الكهرباء، فيما وضعت سيدتين مولوديهما في ظروف قاهرة وغير إنسانية بلا كهرباء وبلا ماء و بلا طعام في مجمع ناصر الطبي".
وذكرت وفا أن الجيش الإسرائيلي "أجبر إدارة مجمع ناصر الطبي على وضع 95 كادرا صحيا و11 من عائلاتهم و191 مريضا و165 من المرافقين والنازحين في ظروف قاسية ومخيفة بلا طعام أو حليب أطفال ونقص حاد في المياه".
وقالت وسائل اعلام في غزة، الخميس، إن الجيش الإسرائيلي "يواصل القصف المدفعي في محيط مجمع ناصر"، في ظل سلسلة من الغارات الجوية وسط مدينة خان يونس، لافتا إلى استمرار عمليات القوات الإسرائيلية من "تجريف وحفر وتفتيش داخل أقسام وساحات المستشفى".
"تواصل مع المؤسسات الدولية"
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، أشرف القدرة، أنه "يتم التواصل مع المؤسسات الدولية لنقل الجرحى والمرضى من مجمع ناصر الطبي"، معتبرا أن ذلك المستشفى "هو العمود الفقري للجهاز الصحي في جنوب قطاع غزة".
وتابع القدرة: "خرجت 32 مستشفى عن الخدمة في قطاع غزة، ويجب إعادة تشغيل مستشفيات شمالي القطاع".
كما أشار إلى أنه "في كل كيلومتر مربع بجنوب غزة، هناك أكثر من 27 ألف شخص، مما يزيد الأمراض الوبائية"، مؤكدا أنه "لا توجد إمكانيات لمواجهة الأوبئة في مناطق تجمع النازحين".
وبدورها، قالت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، إنها "تحاول الوصول" لأكبر مستشفى لا يزال يعمل في قطاع غزة، وهو مستشفى ناصر، بعد العملية الإسرائيلية.
وأوضح المتحدث باسم المنظمة، طارق ياساريفيتش: "لا يزال هناك مرضى ومصابون بجروح خطيرة داخل المستشفى".
وأضاف: "هناك حاجة ملحة لتوصيل الوقود لضمان استمرار تقديم الخدمات المنقذة للحياة.. نحاول الوصول لأن الأشخاص الذين ما زالوا في مجمع ناصر الطبي يحتاجون إلى المساعدة".
اعتقالات في المستشفى
والجمعة، قال الجيش الاسرائيلي، إنه اعتقل 20 شخصا "يشتبه بمشاركتهم" في هجمات 7 أكتوبر، كانوا متواجدين بمستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وأضاف الجيش في بيان، أن "قوات كوماندوز ووحدات خاصة تستمر في عملها ضد منظمة حماس الإرهابية داخل مستشفى ناصر في خان يونس، حيث تستند العملية إلى معلومات استخباراتية تشير إلى وجود نشاطات إرهابية حمساوية داخل المستشفى".
وخلال عمليات التمشيط في منطقة المستشفى، عثر مقاتلو "ماغلان" على "قذائف هاون وقنابل يدوية ووسائل قتالية أخرى تابعة لحركة حماس"، حسب البيان الإسرائيلي.
وقال الجيش إنه "سيواصل في التصرف بموجب القانون الدولي ضد منظمة حماس الإرهابية، التي تتصرف بشكل ممنهج من داخل المستشفيات والبنى التحتية المدنية".
يأتي ذلك بعد يوم من تأكيد الجيش الإسرائيلي، أنه ينفذ عمليات "دقيقة ومحدودة" في مستشفى ناصر. وقال: "نجري عمليات إنقاذ دقيقة - كما فعلنا في السابق - إذ تشير معلومات المخابرات الخاصة بنا إلى احتمال احتجاز جثث الرهائن".
ونقلت وكالة رويترز نفي متحدث باسم حركة حماس، لتصريحات الجيش الإسرائيلي حول المستشفى، معتبرا أنها "أكاذيب".
"مشاهد مروّعة"
نقلت وكالة فرانس برس، الجمعة، عن وزارة الصحة في غزة، أن قصفا استهدف مستشفى ناصر خلّف قتيلا وعددا من الجرحى.
ونقلت الوكالة عن جميلة زيدان (43 عاما) من بلدة خزاعة، والتي احتمت بالمستشفى: "غادر زوجي وابني محمد (الأربعاء) مع آلاف آخرين، لكن لا أدري ما حل بهم، انقطع الاتصال بيننا".
وأضافت زيدان التي بقيت مع بناتها الست في المستشفى: "إننا خائفون. لم يعد لدينا طعام منذ أيام، ونشرب مياه ملوثة".
ونقلت وكالة رويترز، عن محمد المغربي، الذي كان يحتمي بالمجمع، أن بعض الأشخاص الذين حاولوا المغادرة، الأربعاء، "تعرضوا لإطلاق النار فعادوا إلى المستشفى".
وأضاف "دخلوا علينا بجرافة ودبابة، بهدلوا فينا، وقفونا أربع ساعات بالشمس".
وأظهرت مقاطع مصورة تحققت وكالة رويترز، الخميس، من أنها صورت داخل مستشفى ناصر، إلا أنها لم تتمكن من التحقق من توقيت تصويرها، مشاهد من الفوضى والرعب.
وفي المقاطع كان رجال يسيرون عبر ممرات مظلمة باستخدام أضواء هواتفهم، بينما يحيط بهم الغبار والحطام المتناثر في الممرات، وفي وقت ما كانوا يدفعون سريرا عبر مكان متهدم.
وفي أحد مقاطع الفيديو، سُمع دوي إطلاق نار وطبيب يصرخ متسائلا "في حد لسه جوه؟ في طخ (إطلاق نار)، في طخ، نزلوا راسكم".
وقالت منظمة أطباء بلا حدود، الخميس، إن معظم النازحين فروا في الأيام الأخيرة "استجابة لأمر من الجيش بالإخلاء، ليجدوا أنفسهم بلا مكان يذهبون إليه"، مؤكدة أنه "مشهد مروّع" أصبح فيه القصف "جزءًا من الحياة اليومية".
من جانبها، انتقدت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رافينا شمداساني، "اقتحام" مستشفى ناصر.
وقالت في بيان: "يبدو أن عملية الاقتحام هي ضمن نمط من الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية الأساسية المنقذة للحياة في غزة، خصوصاً المستشفيات".
ووصفت منظمة الصحة العالمية مستشفى ناصر بأنه مرفق بالغ الأهمية "لغزة بأكملها"، حيث لم يعد سوى عدد محدود من المستشفيات يعمل بشكل جزئي.
وأعرب المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأربعاء، عن "قلقه" من التقارير الواردة من مستشفى ناصر . وأشار عبر منصة "إكس" الى أن المنظمة مُنعت من الوصول إلى المستشفى في الأيام الماضية وفقدت الاتصال بالعاملين هناك.
"ضربة تلو الأخرى"
ولم تقتصر المآسي في مستشفى ناصر على الأحداث التي بدأت الخميس مع العملية العسكرية الإسرائيلية هناك، إذ سلط تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على حالة الفلسطيني مصطفى أبو طه، الذي كان نازحا داخل المجمع الطبي.
"النسيان نعمة"... عبارة شهيرة حاول أبو طه تطبيقها خلال الفترة الأخيرة، بعدما فقد ابنه في غارة إسرائيلية في خان يونس مطلع الشهر الماضي، ولفعل ذلك كان يتجول في قاعات مستشفى ناصر لتقديم الدعم للنازحين والمصابين، لكن دون جدوى.
وتحدث أبو طه لصحيفة "نيويورك تايمز"، عن الوضع في المستشفى، وكيف قرر وهو أستاذ جامعي يُدرّس اللغة الإنكليزية، أن يتطوع ليساعد المرضى والنازحين داخل المستشفى، في محاولة للتغلب على فاجعة ابنه محمد (18 عاما)، قبل أن ينزح إلى منطقة النواصي قبل أيام مع اقتراب الجيش الإسرائيلي من المجمع الطبي.
قال أبو طه (47 عاما) لنيويورك تايمز، إنه مع استهداف الجيش الإسرائيلي لمدينة خان يونس مطلع ديسمبر الماضي، واحتدام القتال مع حركة حماس، تعرض منزل عائلته للقصف في وقت كان يزور فيه أحد الجيران، مما أسفر عن مقتل شقيقه وإصابة 3 من أبنائه الـ5، فيما عثر على محمد جثة هامدة.
وفر الرجل بعد القصف مع أسرته إلى مجمع ناصر الطبي، حيث كان أحد آخر المرافق الطبية التي لاتزال توفر الرعاية الصحية والمأوى للنازحين في القطاع.
بداية من شهر ديسمبر، بدأ أستاذ اللغة الإنكليزية في إرسال عشرات الرسائل الصوتية ومقاطع الفيديو لصحيفة نيويورك تايمز، فيما يمكن اعتباره توثيقا لما يمر به وسط المأساة التي يعيشها القطاع الفلسطيني.
ووصف في إحدى الرسائل الوضع بأنه "لا يطاق"، قائلا: "لا يمكننا التحمل أكثر من ذلك".
وقالت الصحيفة الأميركية إن الحرب دمرت حياة أبو طه بعدما وجهت إليه "ضربة تلو الأخرى"، كما فعلت مع كثيرين في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه 2.2 مليون فلسطيني، يتكدس أكثر من مليون منهم حاليا في أقصى الجنوب بمدينة رفح، بعدما فروا من القتال.
ويأتي القتال في المستشفى في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل ضغوطا دولية متزايدة لإظهار ضبط النفس، في حربها على غزة، بعدما توعدت بالتوسع في الهجوم ليشمل مدينة رفح، آخر مكان آمن نسبيا للمدنيين في القطاع، وفق رويترز.
وقال أبو طه إن زوجته تمكنت من الخروج مع أطفاله الباقين على قيد الحياة إلى مصر لتلقي العلاج، مشيرا إلى أن ابنه الأكبر كان قد غادر غزة قبل الحرب، وأضاف أنه لا يعلم متى سيراهم مجددا، بعدما أصبح الخروج صعبا من القطاع.
وتطوع أبو طه للعمل في مستشفى ناصر، وكان حلقة وصل لأسابيع بين صحيفة نيويورك تايمز وبين موظفي المستشفى والمرضى، وشارك مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية ورسائل تصف الظروف التي يعيشونها.
كما تواصلت الصحيفة مع زوجة أبو طه في مصر، والتي قالت إن ابنتهما ليان (14 عاما) تعرضت لإصابة في الدماغ بقيت على أثرها في غيبوبة لمدة شهر ونصف، فيما أصيب عبد العزيز (16 عاما) بكسر في الجمجمة والفك وسحقت قدمه، أما يامن (6 سنوات) فمصاب بجروح وحروق في فخذه، وذلك جراء القصف.
واندلعت الحرب في 7 أكتوبر عقب هجوم غير مسبوق شنته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، حسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وردت إسرائيل بحملة قصف مركز أتبعتها بهجوم بري واسع في القطاع، مما أسفر عن مقتل 28473 شخصا في قطاع غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
وتقول إسرائيل إن أكثر من 130 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، من بينهم 29 يعتقد أنهم لقوا حتفهم، من بين حوالي 250 شخصا خطفوا في 7 أكتوبر.