ماذا تتضمن وثائق اغتيال كينيدي التي تعهد ترامب بكشفها؟
مع تعهد دونالد ترامب أنه في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، سيكشف عن الملفات المحجوبة حول اغتيال الرئيس الراحل جون كينيدي، إحدى أعقد جرائم العصر الحديث، فإن تكهنات ثارت حول ما تتضمنه هذه الوثائق وإذا كانت ستحسم نظريات المؤامرة المستمرة منذ 61 عاماً، والتي تطال المخابرات المركزية الأمريكية.
وبعد إعلان المرشح المستقل روبرت إف كينيدي ابن شقيق الرئيس الراحل كينيدي بتعليق ترشحه للرئاسة وتأييد ترامب، فقد تعهد الرئيس السابق برد الجميل له عن طريق كشف جميع الوثائق التي مازالت مخفية عن الرأي العام، عن اغتيال عمه، في الوقت الذي تقدر تقارير أمريكية وجود أكثر من 3 آلاف وثيقة سرية تعرضت للتنقيح.
ترامب قال في تجمع حاشد مساء الجمعة في منطقة فينيكس: «هذا تكريم لبوبي.. سأشكل لجنة رئاسية مستقلة جديدة معنية بمحاولات الاغتيال، وستكون مهمتها الإفراج عن جميع الوثائق المتبقية المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي».
ـ تورط المخابرات الأمريكية ؟! ـ
ولعقود من الزمن بعد جريمة القتل، تم حجب العديد من الوثائق المتعلقة بالحادثة عن الجمهور، ما أثار نظريات المؤامرة. وقالت لجنة وارن، التي تم إنشاؤها بعد أسبوع من اغتيال جون إف كينيدي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1963، إن المسلح لي هارفي أوزوالد تصرف بمفرده في دالاس. لكن آخرين استمروا في التساؤل عمّا إذا كان أوزوالد قد عمل مع عملاء سوفييت أو كوبيين أو وكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة. في الوقت الذي قال المرشح المنسحب كينيدي جونيور لمحطة إذاعية في نيويورك العام الماضي إنه يعتقد أن وكالة المخابرات المركزية متورطة في مقتل عمه.
ومنذ أكثر من ثلاثة عقود أصدر الكونغرس قانوناً يهدف إلى وضع حد للأسئلة المتعلقة بالاغتيال من خلال رفع السرية عن السجلات ذات الصلة، ولكن لا تزال هناك أكثر من 3000 وثيقة مازالت تحتوي على تنقيحات، وفقاً لإدارة المحفوظات والسجلات الوطنية، ما ترك بعض الباحثين في حيرة من أمرهم، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
ـ فيلم إثارة سياسي ـ
وفي عام 1992 أعلن قانون جمع سجلات الاغتيال للرئيس كينيدي أن جميع الوثائق المتعلقة بالعملية يجب أن تكون متاحة للجمهور بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2017. ومع ذلك، سمح القانون للمسؤولين الأمريكيين بتأجيل إصدار الوثائق إذا كانوا يعتقدون أن هناك مخاوف تتعلق بالأمن القومي والخصوصية، تفوق المصلحة العامة في الكشف. ووفق هذا القانون كان يفترض رفع السرية عن نحو 320 ألف وثيقة.
وجاء التوقيع على القانون بعد عام من إطلاق فيلم الإثارة السياسي للمخرج أوليفر ستون «JFK»، وهو تصوير خيالي لمدعي مقاطعة نيو أورليانز الذي وجد دليلاً على مؤامرة وراء اغتيال كينيدي.
ـ ما هي الوثائق المخفية؟!
وقد استشهد المسؤولون الأمريكيون بمخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن القومي عدة مرات لتأجيل إصدار بعض الوثائق. وعندما كان ترامب رئيساً في عام 2017، أعلن أنه يعتزم الكشف علنًا عن الوثائق المتبقية، لكنه أخر في النهاية الإفراج عن بعض الملفات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، قائلاً إنه سيتم الإفراج عنها بحلول أكتوبر 2021. وفي عام 2018، سمح ترامب بالكشف عن 19045 وثيقة، والعديد منها يحتوي على تنقيحات.
وفي أكتوبر 2021، أرجأ الرئيس جو بايدن أيضاً الإصدار المقرر للوثائق، متحججاً بالتأخير الناجم عن جائحة فيروس كورونا.
وقال بايدن في ذلك الوقت: «إن التأجيل المستمر والمؤقت ضروري للحماية من الضرر الذي قد يلحق بالدفاع العسكري أو العمليات الاستخباراتية أو إنفاذ القانون أو سلوك العلاقات الخارجية الذي ربما يشكل درجة عالية من الخطورة تفوق المصلحة العامة في الكشف الفوري».
وأصدر بايدن أكثر من 13 ألف وثيقة في السنوات التالية، لكنه أعلن في يونيو/حزيران 2023 أنه قدم «تصديقه النهائي» على الملفات المقرر الإفراج عنها، ونقل سلطته في الكشف عن الوثائق إلى الوكالات الأمريكية.
ويقول جيرالد بوسنر، صاحب كتاب اغتيال كينيدي عام 1993 بعنوان «القضية مغلقة»، إنه غير متأكد مما إذا كان ترامب سيفي بوعده إذا تم انتخابه في نوفمبر المقبل. وأضاف موجهاً كلامه للرئيس السابق: «لقد أتيحت لك الفرصة للقيام بذلك، وقلت إنك ستفعل ذلك، لكنك لم تفعل». وأضاف: «الآن، مع تأييد روبرت كينيدي جونيور، ربما يكون هذا مقايضة، وربما سيفعل ذلك هذه المرة بالفعل».
ـ ماذا كشفت الوثائق؟
وتم نشر عشرات الآلاف من الوثائق بين عامي 2018 و2023، وجاءت آخر دفعة كبيرة من الوثائق التي تم الكشف عنها في 2022، عندما أزاح بايدن السرية عن 13173 وثيقة.
وقال الصحفي جيفرسون مورلي، إن هذه الوثائق أظهرت أن بعض موظفي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم يصدقوا أن أوزوالد تصرف بمفرده، وحاول مسؤول مكافحة التجسس «انتظار» تحقيق لجنة وارن من خلال حرمانها من المعلومات حول أوزوالد.
ومع ذلك، قال الكاتب السياسي بوسنر إن العديد من الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخراً لم تقدم دليلاً دامغاً، ويشك في أن الوثائق المتبقية ستفعل ذلك أيضاً. وأضاف: «بعض العناوين الرئيسية التي تم سحبها من ملفات جون كنيدي خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية تدور حول روايات قديمة بالفعل».
ـ مكالمة السفارة ـ
وتسلط بعض الوثائق التي تم نشرها منذ 2022 الضوء على تصرفات أوزوالد في الأشهر التي سبقت الاغتيال. وأشارت إحدى الوثائق الصادرة في 1962 إلى أنه ربما كان على رادار وكالة المخابرات المركزية قبل أكثر من عام من اغتيال كينيدي. وقال آخر إن وكالة المخابرات المركزية اعترضت مكالمة أجراها أوزوالد في أكتوبر 1963 من مكسيكو سيتي إلى السفارة السوفييتية هناك، يريد من شخص ما في المبنى «أن يرسل له برقية إلى واشنطن».
وفي الصيف الماضي، ظهرت نسخة جديدة غير منقحة من وثيقة تحمل اسم موظف وكالة المخابرات المركزية الذي اعترض بريد أوزوالد قبل مقتل كينيدي. وقال مورلي وبوزنر إنهما يعتقدان أن الوثائق المتبقية قد تظهر أن وكالة المخابرات المركزية كانت على علم بأوزوالد قبل الاغتيال.
وأضاف مورلي أن الأدلة التي تم الكشف عنها حتى الآن تقوده إلى الاشتباه في أن معارضي كينيدي في وكالة المخابرات المركزية ربما كانوا يعملون مع أوزوالد، ويمكن للوثائق المتبقية أن تثبت أو تدحض هذه النظرية. وقال بوسنر إنه يعتقد أن أوزوالد تصرف بمفرده، وأن الوثائق المتبقية قد تظهر أن وكالة المخابرات المركزية فشلت في إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي عنه قبل الاغتيال.
قال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية في تصريحات صحفية سابقة إن الوكالة لم تحجب معلومات حول أوزوالد أو الاغتيال. وأضاف: «تعتقد وكالة المخابرات المركزية أن جميع المعلومات الجوهرية المعروفة بأنها مرتبطة مباشرة بأوزوالد قد تم نشرها». وأكد أن «التنقيحات القليلة المتبقية تحمي أسماء موظفي وكالة المخابرات المركزية ومصادرهم ومواقعهم وحرفتهم التجارية».
ـ أهمية الإجراء ـ
وحتى لو تم الكشف عن جميع وثائق كينيدي، فإن المراقبون يعتقدون أن نظريات المؤامرة لن تنتهي، وقال بوسنر عن المعلومات التي لم يتم الكشف عنها: «لنفترض أن هذا لا يضيف إلى أي دليل على وجود مؤامرة في القضية، فإن الناس الذين يؤمنون بالمؤامرة سيقولون: حسناً لقد دمروا الوثائق الحقيقية».
على الرغم من الاختلافات الكبيرة حول جريمة الاغتيال التي وقعت في ديلي بلازا في دالاس، فإن الرأي العام الأمريكي يأمل في رؤية كافة الوثائق، إذ يرى البعض أن الأمر لا يتعلق بدليل دامغ، بل بالقانون الذي نص على ضرورة نشر جميع سجلات جون كنيدي الحكومية بحلول أكتوبر 2017، وبعد مرور سبع سنوات على الموعد لم يحدث ذلك.