ما هي قصة المسيّرات الغامضة التي ظهرت في سماء مناطق في أميركا؟
أثار الظهور المتكرر لطائرات مسيرة غامضة في سماء مناطق بالولايات المتحدة موجة من القلق والتكهنات بين المواطنين وفي صفوف مسؤولين. فمنذ منتصف نوفمبر الماضي، توالت التقارير عن رصد هذه المسيرات فوق مواقع ومنشآت حيوية، مما دفع السلطات إلى فتح تحقيقات في الموضوع.
وتحولت المشاهدات من مجرد بلاغات متفرقة إلى قضية أمن قومي وموضوع نقاش سياسي حاد؛ إذ في الوقت الذي تحاول فيه السلطات الفيدرالية طمأنة المواطنين بشأن هذه المسيّرات وتأكيد عدم وجود تهديدات أمنية، تتصاعد الأصوات المطالبة بمزيد من الشفافية والتوضيحات بشأن حقيقة هذه الظاهرة وأبعادها.
أين جرى رصد هذه المسيرات؟
سجلت دائرة مشاهدات الطائرات المسيرة الغامضة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، مع تركيز خاص على ولاية نيوجيرسي التي شهدت أكبر عدد من البلاغات.
وسجل عشرات الشهود في هذه الولاية رؤيتهم لطائرات مسيرة تحلق فوق مناطق حساسة، أبرزها ترسانة "بيكاتيني" العسكرية المتخصصة في البحث والتطوير العسكري، حيث لوحظ تحليق منتظم للمسيرات فوق المنشأة.
كما سجلت محطة الأسلحة البحرية "إيرل" عدة حالات من دخول مسيرات غير محددة لمجالها الجوي، على الرغم من عدم تحديد أي تهديدات مباشرة. إضافة إلى مشاهدات متكررة فوق ملعب غولف ترامب في بيدمنستر ومحطات السكك الحديدية الرئيسية في الولاية.
وفي ولاية نيويورك المجاورة، أدى رصد نشاط للطائرات المسيرة إلى إغلاق مؤقت لمدارج مطار ستيوارت الدولي لمدة ساعة تقريبا، الجمعة ليلا. كما تركزت المشاهدات في جزيرة ستاتن آيلاند، حيث أبلغ رئيس البلدية، فيتو فوسيلا، عن رصد مسيرات تحلق فوق ميناء ليبرتي نيويورك قرب جسر غوثالز.
وسجلت تقارير عديدة وجود مسيرات تحلق حول جسر "فيرازانو-ناروز" الاستراتيجي وفوق حصن "وادزورث"، أحد أقدم المنشآت العسكرية في البلاد.
وامتدت هذه المشاهدات لتشمل مناطق أخرى في الولايات المتحدة؛ ففي أوهايو، اضطرت قاعدة "رايت-باترسون" الجوية إلى إغلاق مجالها الجوي لعدة ساعات بسبب نشاط المسيرات، خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفقاً لما صرح به المتحدث باسم القاعدة بوب بورتيمان لمحطة "WHIO" التابعة لشبكة "سي ان ان".
وفي كونيتيكت، وتحديدا في مقاطعة فيرفيلد، نشرت الشرطة أنظمة خاصة للكشف عن المسيرات استجابة للمشاهدات المتكررة.
وانضمت ولايتا بنسلفانيا وفيرجينيا إلى قائمة الولايات التي سجلت مشاهدات للمسيرات الغامضة، حيث أكد حكام الولايتين علمهم بهذه المشاهدات، وأشاروا إلى أن شرطة الولاية تشارك في التحقيقات.

حجم التبليغات
كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن تلقيه 5000 بلاغ عبر الخط الساخن الذي تم تخصيصه خصيصا للتعامل مع هذه المشاهدات.
غير أن السلطات اعتبرت أن 100 فقط من هذه التبليغات، اعتُبرت أنها تستحق المتابعة والتحقيق المعمق، مما يشير إلى أن غالبيتها قد تكون ناتجة عن سوء تقدير أو خلط مع حالات تحليق طبيعية أخرى.
وأكد مسؤول في وزارة الأمن الداخلي، أن التحقيقات المكثفة التي أجريت حتى الآن لم تكشف عن أي دليل يشير إلى وجود تهديد للسلامة العامة.
كما شكك المتحدث باسم البنتاغون، الميجور جنرال بات رايدر، الاثنين، في فكرة أن المسيرات تقوم بعمليات تجسس، مشيرا إلى أنها صاخبة ومضاءة بشكل واضح.
وأوضح أن هناك نحو مليون طائرة مسيرة مسجلة في الولايات المتحدة، وحوالي 8 آلاف منها تحلق في الأجواء كل يوم.
التوضيحات الرسمية
وأصدر كبار المسؤولين الحكوميين الأميركيين سلسلة من التصريحات والتوضيحات لطمأنة الجمهور بشأن الظاهرة المتكررة.
وأكد جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، أن إدارة بايدن لم تحدد "أي شيء غير طبيعي أو أي مخاطر تتعلق بالأمن القومي أو السلامة العامة في المجال الجوي المدني في نيوجيرسي أو الولايات الأخرى في الشمال الشرقي."
وأوضح أن تقييم المشاهدات حتى اليوم يشير إلى أنها تشمل مجموعة من المسيرات التجارية المشروعة، ومسيرات الهواة، ومسيرات أجهزة إنفاذ القانون، إضافة إلى طائرات مأهولة ثابتة الجناح، ومروحيات، وحتى نجوم في السماء تم الخلط بينها وبين المسيرات.
من جانبه، تحدث وزير الأمن الداخلي، أليخاندرو مايوركاس، عن الموضوع، مؤكدا: "ليس هناك شك في أن الناس يرون مسيّرات. هناك آلاف من المسيرات التي تحلق كل يوم في الولايات المتحدة، مسيّرات ترفيهية، مسيّرات تجارية".
وأضاف في مقابلة مع شبكة "اي بي سي": "إذا كان هناك أي سبب للقلق، وإذا حددنا أي تورط أجنبي أو نشاط إجرامي، فسوف نتواصل مع الجمهور. لكن في الوقت الحالي، لا علم لنا بشيء من هذا القبيل".
وأكد ممثلون للشرطة الفدرالية (إف بي آي) والأمن الداخلي وإدارة الطيران الفدرالية (إف إيه إيه) أنه لا يوجد أي عنصر، في هذه المرحلة من تحقيقاتهم، يُظهر وجود نشاط إجرامي أو صادر عن قوة أجنبية.
وفي إحاطة صحفية، السبت، قلل مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي من حدة المخاوف، مشيراً إلى وجود "رد فعل مبالغ فيه قليلا" تجاه المشاهدات.
ولفت إلى أن أنماط الطيران المماثلة من المطارات القريبة تطابقت مع المشاهدات البصرية التي تم الإبلاغ عنها للخطوط الساخنة.
ومع ذلك، أضاف المسؤول: "لا يمكننا تجاهل المشاهدات التي كانت هناك، ونحن قلقون بشأنها بقدر ما يقلق أي شخص آخر".
بدوره، قال مسؤول في وزارة الدفاع، "لا نعرف ما إذا كان الأمر خبيثاً أو إجرامياً. لكنني سأقول لكم إنه - إنه عمل غير مسؤول. نحن في الجانب العسكري محبطون بنفس القدر من الطبيعة غير المسؤولة لهذا النشاط".
من جانبه، قلل جيم هايمس، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، من أهمية المخاوف من أن أعداء الولايات المتحدة قد يرسلون مسيرات فوق المدن الأميركية عندما يستطيعون استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة الولايات المتحدة بأمان وسهولة.
وقال لقناة "فوكس نيوز"، إن "الصين وإيران لن يرسلوا مسيرات فوق نيويورك ونيو جيرسي يمكننا إسقاطها والسيطرة عليها بسهولة."
الجدل والانتقادات
ويثير موضوع المسيرات الغامضة جدلا سياسيا حادا، تصدره الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، الذي وجه انتقادات لاذعة لطريقة تعامل الإدارة الحالية مع الموضوع.
وكتب ترامب عبر منصته "تروث سوشل": "مشاهدات غامضة لمسيّرات في كل أنحاء البلاد. هل يمكن أن يحدث هذا حقاً من دون علم حكومتنا؟ لا أعتقد ذلك! على الجمهور أن يعرف وعلى الفور. وإلا فلتُسقِطوها!".
وفي مؤتمر صحفي عقده في منتجعه بفلوريدا "مار-إيه-لاغو"، صعّد ترامب من انتقاداته قائلا: "الحكومة تعرف ما يحدث. جيشنا يعرف من أين أقلعت. إذا كان الأمر يتعلق بمرآب، يمكنهم الذهاب مباشرة إلى ذلك المرآب. إنهم يعرفون من أين جاءت وإلى أين ذهبت، ولسبب ما لا يريدون التعليق."
وعندما سُئل عما إذا كان قد تم إطلاعه على معلومات استخباراتية بشأن المسيرات، رد ترامب: "لا أريد التعليق على ذلك."
وانضم مايك والتز، مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، إلى دائرة منتقدي الإدارة، مشيرا إلى أن الأميركيين يشعرون بالإحباط المتزايد إزاء ما وصفه بـ "فشل إدارة بايدن" في توضيح ما لديها من معلومات.
وأضاف والتز في تصريحات لبرنامج "فيس ذا نيشن" على شبكة "سي بي اس نيوز"، أن "مسألة المسيرات تشير إلى نوع من الفجوات في وكالاتنا.. فجوات بين وزارة الأمن الداخلي، ووكالات إنفاذ القانون المحلية، ووزارة الدفاع."
وأعرب مشرعون ديمقراطيون أيضا عن إحباطهم مما وصفوه بـ "عدم شفافية الحكومة" في معالجة المخاوف العامة.
ودعت السيناتور إيمي كلوبوشار، الإدارة إلى عقد إحاطة لأعضاء مجلس الشيوخ، مؤكدة في حديثها لشبكة "سي بي اس": "نحن بحاجة إلى مزيد من الشفافية".
وبعث زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، برسالة إلى وزير الأمن الداخلي، يحثه فيها على استخدام أحدث تقنيات الكشف عن المسيرات دون تأخير.
وأعلن شومر أنه سيدعم قانونا جديدا يهدف إلى تزويد السلطات بأفضل الأدوات لكشف هذه الأجهزة.
وفي مجلس النواب، من المقرر أن تتلقى لجنة الاستخبارات إحاطة سرية حول المسيرات الغامضة فوق نيوجيرسي يوم الثلاثاء، وفقاً لمصدر مطلع على الأمر.
وطالب مسؤولون محليون في مقاطعة موريس بنيوجيرسي "الحكومة الفيدرالية بتوظيف كل الموارد الفيدرالية المتاحة، بما في ذلك الجيش، لإنهاء التحليق غير المصرح به للمسيرات فوق مقاطعتنا وأجزاء أخرى من نيوجيرسي".
وفي خضم هذا الجدل، دعا عدد من المشرعين إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما، وطالب السيناتور، ريتشارد بلومنثال، من ولاية كونيتيكت بإسقاط المسيرات، بينما حث النائب، كريس سميث، البنتاغون على التصريح باستخدام القوة لإسقاط واحدة من هذه المسيرات على الأقل للكشف عن مصدرها.
واقترح سميث أن يتم إسقاطها فوق المحيط أو في منطقة غير مأهولة بالسكان، متسائلا: "لماذا لا يمكننا الإمساك بواحدة على الأقل من هذه المسيرات والوصول إلى حقيقة الأمر؟".
في المقابل، حذر مدير شرطة مقاطعة مونماوث، شون غولدن، من محاولة إسقاط أي من هذه المسيرات، مؤكداً أن مثل هذا العمل يشكل انتهاكاً للقوانين الفيدرالية وقوانين الولاية.