
هآرتس:تحويل مدينة رفح إلى منطقة عازلة: خطة إسرائيلية مثيرة للجدل
المنطقة التي تبلغ مساحتها 75 كيلومترًا مربعًا، والواقعة بين محور فيلادلفيا جنوبًا وممر موراج شمالًا، تشمل مدينة رفح والأحياء المجاورة لها. لن يُسمح للسكان بالعودة إلى هذه المنطقة، ويُدرس حاليًا هدم جميع المباني فيها. في الوقت نفسه، تثير شهادات المقاتلين الذين عملوا في أجزاء أخرى من المنطقة العازلة تساؤلات حول المخاطر التي تهدد الجنود، والسكان المدنيين في القطاع، وحتى الرهائن.
في الجيش الإسرائيلي، يجري الاستعداد لتحويل مدينة رفح في جنوب قطاع غزة والأحياء المحيطة بها إلى جزء من منطقة العازلة (المحيط). هذا الشريط، المحصور بين محور فيلادلفيا وممر موراج، كان موطنًا لنحو 200 ألف فلسطيني قبل الحرب.
لكن خلال الأسابيع الأخيرة، أصبح المكان شبه خالٍ من السكان بعد أن تسبب الجيش الإسرائيلي في دمار واسع. مؤخرًا، وبعد انتهاء الهدنة، دعا الجيش السكان المدنيين الذين بقوا في المنطقة إلى الإخلاء والتوجه نحو المنطقة الإنسانية القريبة من الساحل، في محيط خان يونس والمواصي.

حتى الآن، امتنع الجيش الإسرائيلي عن ضم مدن كبيرة وكاملة مثل رفح إلى منطقة العازلة التي يتم إنشاؤها على طول الحدود مع إسرائيل منذ بداية الحرب. لكن مصادر في المنظومة الأمنية تقول إن هذا الطلب ظهر بقرار من المستوى السياسي لاستئناف الحرب الشهر الماضي، وفي ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل ستسيطر على مساحات كبيرة في القطاع. يبدو أن هناك نية لتكرار ما حدث في شمال القطاع في جنوبه.
لهذا التوسع في منطقة العازلة دلالات متعددة. فهي ليست مجرد مساحة كبيرة - حوالي 75 كيلومترًا مربعًا، أي نحو خُمس مساحة القطاع بأكمله - بل إن عزلها يحول القطاع إلى جيب محاط بالكامل بالأراضي الإسرائيلية، ويبعده بشكل محكم عن الحدود المصرية. وتشير المصادر الأمنية إلى أن هذا هو السبب وراء اختيار رفح تحديدًا، بهدف خلق أدوات ضغط جديدة على حركة حماس. في الجيش، تبلورت قناعة بأن إسرائيل لن تحصل على دعم دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة، لعملية طويلة الأمد في القطاع، وأن تهديدات بعض أعضاء الحكومة بمنع المساعدات الإنسانية لن تتحول إلى سياسة فعلية. لذا، يركز الجيش على استهداف المناطق التي يعتقد أنها ستشكل ضغطًا على قيادة حماس، وأصبحت رفح جذابة بشكل خاص بسبب حجمها وموقعها على الحدود المصرية.
استعدادات الجيش ومخاوف متزايدة
كجزء من التحضيرات، يعمل الجيش الإسرائيلي على توسيع ممر موراج مع تدمير المباني على طوله. في بعض المناطق، سيصل عرض الممر إلى مئات الأمتار، وربما أكثر من كيلومتر. ووفقًا لمصادر تحدثت إلى صحيفة "هآرتس"، لم يُحسم بعد ما إذا كان سيتم الاكتفاء بجعل المنطقة بأكملها عازلة محظورة على المدنيين (كما حدث في أجزاء أخرى من المحيط)، أو هدم جميع المباني وتسويتها بالأرض، مما يعني فعليًا محو مدينة رفح.
مع بدء الحرب في أكتوبر 2023، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نيته إنشاء شريط عازل على طول حدود قطاع غزة لإبعاد التهديدات عن مستوطنات الغلاف لمسافة تتراوح بين 800 متر و1.5 كيلومتر. هذا الشريط، الذي تبلغ مساحته حوالي 60 كيلومترًا مربعًا (أكثر من 16% من مساحة القطاع)، كان يأوي نحو ربع مليون من سكان غزة قبل 7 أكتوبر. ووفقًا لتقرير صادر عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية في أبريل الماضي، فإن حوالي 90% من المباني في منطقة العازلة قد دُمرت أو أصيبت بأضرار بالغة.
لكن العمليات الجديدة للجيش لا تقتصر على المنطقة بين ممر موراج ومحور فيلادلفيا. فقد بدأ المقاتلون مؤخرًا في التمركز على طول المحيط بأكمله، فيما يبدو أنه خطوة تمهيدية. يقول قائد قاتل أكثر من 240 يومًا في القطاع لصحيفة "هآرتس": "لم يعد هناك ما يمكن تدميره في المحيط، المكان بأكمله غير صالح للسكن، ولا حاجة لإدخال هذا العدد من الجنود إلى تلك المناطق". ويعبر هو وآخرون عن إحباطهم من نية استئناف العمليات في هذه المناطق.
مخاطر غير ضرورية..
روى قادة ومقاتلون في الاحتياط لـ"هآرتس" أن الجيش يكرر الرسائل التي بدأت مع الحرب دون النظر إلى الواقع. يقول أحد المقاتلين: "لا يصدق أنه بعد عام ونصف نعود إلى نقطة البداية، نهدم ما دُمر بالفعل دون أن يعرف أحد متى سينتهي هذا أو ما الهدف من العملية".
وإلى جانب الشكوك حول الأهداف، تبرز مخاوف من مخاطر غير ضرورية تهدد المقاتلين. يضيف القائد: "جميع المباني في غزة على وشك الانهيار، لقد خسرنا جنودًا كثيرين بسبب انهيار المباني، واضطررنا لساعات لانتشالهم من تحت الأنقاض".