معاناة مستمرة لنساء سوريا
لم يحمل عام 2021 أي جديد للمرأة السورية، وما بين أخبارٍ قتل وجرائم وممارسات من شرقي البلاد إلى غربها وجنوبها بقي اسمها يتردد ضمن حلقة مفرغة من كل شيء، وتقول ناشطات نسويات إن أسبابها الأولى ترجع لعقود إلى الوراء، لكنها الآن باتت "أكثر أدلجة".
وقبل أيام وكأي خبر يتم تناقله، أعلنت منظمة "الدفاع المدني السوري" في شمال غربي البلاد العثور على جثة امرأة محترقة ومتفحمة مجهولة الهوية في مكب للقمامة على أوتوتستراد باب الهوى بريف محافظة إدلب.
وهذه الحادثة كان في مقابلها ممارسات أخرى لكن بمناطق خارج الخطوط المرسومة داخليا. في الحسكة مثلا الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، اعتصمت عشرات النساء قبل أسابيع للمطالبة بأطفالهن من الإناث اللواتي اختطفن بغرض التجنيد من قبل حركة "الشبيبة الثورية" التي تتهم بـ"المتطرفة".
وفي ذات المحافظة أيضا، كان 2021 حافلا بجرائم القتل "تحت مبرر الشرف"، وأبرزها المرأة التي وثقها الإخوة الثلاث، حيث أقدموا على قتل اختهم القاصر رميا بالرصاص، وعلى رأسها مباشرة، في مطلع شهر يوليو.
وليس ببعيد عن المناطق المذكورة، يواصل النظام السوري اعتقال آلاف النساء في سجونه المتوزعة بمناطق سيطرته، وبحسب تقرير حديث لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فهو مسؤول عن 78 في المئة من عمليات الاعتقال والاختفاء القسري بحق الإناث.
وأحصى تقرير الشبكة في نوفمبر الماضي 8 آلاف و497 معتقلة أو مختفية قسريا على يد قوات النظام السوري، وأضاف أن الأخير استخدم العنف الجنسي ضدهن، كأداة تعذيب فعالة، أو كنوع من العقوبة، ولإشاعة الخوف والإهانة.
"كلمة معاناة قليلة"
قد تكون كلمة "معاناة" قليلة عند الحديث عن واقع المرأة السورية سواء خلال الأشهر القليلة الماضية من العام الحالي أو عند العودة إلى عقود للوراء، بحسب ناشطات في حقوق المرأة .
ويشير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى أن الواقع السيء الذي تعاني منه النساء السوريات "في تصاعد مستمر"، بينما الواقع المعيشي المزري "يزيد الطين بلة".
ويتجسد ما سبق بأحوالهن في مختلف المناطق وعلى اختلاف القوى المسيطرة، سواء في مخيمات الشمال أو مخيم الهول الذي تنشط فيه أذرع تنظيم "داعش"، أو مخيم الذي تنشط فيه أذرع تنظيم "داعش"، أو خارج أسوار تلك المخيمات في المدن والبلدات والقرى.
ويضيف المرصد أنه وثّق منذ مطلع 2021 مقتل 182 مواطنة فوق سن الـ 18 على الأراضي السورية، وذلك بطرق مختلفة بينها الاستهداف المباشر والخلافات العائلية والعشائرية، وجرائم الشرف، والرصاص العشوائي.
وفي تعليقها على ذلك، ترى الناشطة السورية، بيان ريحان أن الإحصائية قد لا تعطي الصورة كاملة لما تتعرض له المرأة السورية، خاصة أن هناك ممارسات تحصل خارج الحدود، أي في دول اللجوء.
وتضيف ريحان": "العنف ليس وليد اللحظة وليس هو نتيجة الحرب. كان مغطى ولم يتسلط عليه الضوء إعلاميا في السابق".
لكن ومع "فورة الإنترنت والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي"، تضيف الناشطة: "بات الضوء يتسلط على هذه الممارسات بشكل أكبر، وبالتالي أرى أننا في مرحلة الوعي بالجرائم وأسبابها ومرتكبيها والطرق التي يجب التخلص منها لاحقا".
ولا يوجد أمل حاليا أو جرعة تفاؤل لتغير الواقع المفروض، بحسب ريحان التي تشير: "يمكن أن يؤثر نتاج المعرفة والوعي الذي يتشكل حاليا في المستقبل".
"أجسادهن أداة حرب"
في شهر أكتوبر الماضي، احتلت سوريا المركز الثاني في ذيل "مؤشر السلام والأمن للمرأة" (WPS) الصادر عن معهد "جورجتاون للمرأة والسلام والأمن" ومركز "بريو للجندر والسلام والأمن" في الأمم المتحدة.
وحلّل المؤشر وضع المرأة في ثلاثة أبعاد، هي الإدماج (التعليم، الإدماج المالي، التوظيف، استخدام الهاتف المحمول، التمثيل البرلماني)، والعدالة (عدم وجود تمييز قانوني، الانحياز، القواعد التمييزية)، والأمن (عنف الشريك، سلامة المجتمع، العنف المنظم).
وبحسب المؤشر، فإن سوريا هي الأسوأ عالميا فيما يتعلق بالعنف المنظم، والأسوأ إقليميا فيما يتعلق بسلامة المجتمع.
في المقابل كانت "لجنة الإنقاذ الدولية" قد قالت في الشهر ذاته إن سوريا واحدة من "أصعب خمسة أماكن لتكبر فتاة فيها"
ولا تزال البلاد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في القرن الـ21، بحسب اللجنة، إذ تعيش الأغلبية العظمى من السوريين في فقر، مع تعرض النساء والأطفال بشكل خاص
لمجموعة من قضايا السلامة، بما في ذلك العنف الجنسي وعمالة الأطفال والصدمات.
ووفق الكاتبة والباحثة النسوية السورية، المحامية صباح الحلاق، فإن "كلمة معاناة قليلة على ما تعانيه النساء في سوريا، بمختلف مناطق سلطات الأمر الواقع".
وتضيف حلاق : "للأسف... في كل المناطق لا يمكن القول إن هنا أفضل من هنا وهنا أقل من العنف والتمييز ضد النساء هناك".
وعلى الصعيد العملي هناك عنف ضد ما يسمى بعائلات داعش اتجاه النساء والأطفال في مخيمات شرقي البلاد، وهناك عنف في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" أو تلك الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من أنقرة، بالإضافة إلى مناطق سيطرة النظام السوري.
وتتابع المحامية السورية: "نحن استخدمنا منذ بداية 2011 مقولة مفادها أن أجساد النساء تستخدم كأداة حرب بين أطراف النزاع، وقد استخدمت لدى الجميع، وخاصة من النظام السوري حيث يعتقل عدد كبير من النساء".
"أكثر أدلجة. عقود للوراء"
في غضون ذلك ترى الدكتورة في العلوم السياسية في جامعة لانكستر ببريطانيا، رهف الدغلي أنه من الصعب أن يكون هناك مصطلح شامل أو دقيق لتوصيف حالة أو واقع ما تمر به المرأة السورية، من عنف وتعنيف في آخر عقد من الزمن كنتيجة للحرب أو لأربع عقود من الاستبداد في ظل حكم البعث.
ولكن وبحسب ما تقول الدغلي : "يمكن تفنيد الممارسات الأخيرة ضد المرأة السورية بأنها أصبحت أكثر أدلجة، نتيجة انتشار السلاح والتطبيع الاجتماعي والثقافي للعسكرة بسبب الحرب".
وعانت المرأة السورية في ظل حكم البعث من عنف قائم على النوع الاجتماعي، في ترسيخ قوانين تميّز ضدها، سواء في قانون الأحوال الشخصية أو قانون العقوبات.
وتضيف الدغلي: "بما أن استراتيجية الأنظمة المستبدة تقوم على فرض علاقات غير رسمية وتحالفات عامودية وأفقية مع السلطة المهيمنة على مكونات المجتمعات المختلفة مثل رجل القبيلة، رجل طائفة، أو رجل ديني معين. هنا تتم التضحية بإرساخ قوانين إيجابية اتجاه المرأة، وذلك لاستقطاب وتوظيف هذه المكونات الاجتماعية لترسيخ وتوطيد شرعية هذا النظام".
وتعود الباحثة بالحال المفروض الآن إلى عقود للوراء، بقولها: "نظام البعث ومنذ استلام حافظ الأسد عانى من أزمة شرعية دفعته للاستثمار في استقطاب هذه المكونات ومعهاإرضاء للثقافة الباترياركية في المجتمعات السورية. حتى في إيدولوجية البعث والتي ادعت العلمانية كانت تعتمد على ثقافة العسكرة، كمحدد أساسي للانتماء والهوية في سوريا".
وتتابع: "ضعف الدولة ومشروع التحديث أدى إلى عنف ممنهج ضد المرأة السورية حتى قبل الحرب".
"جملة عوامل"
وهناك جملة من العوامل التي قادت إلى المشهد الحالي الذي تعيشه النساء السوريات، سواء من ممارسات قتل مباشر أو عنف، وأخرى تتعلق بتقييد الحرية على اختلاف مناطق النفوذ.
وهذه العوامل تراها المحامية صباح حلاق تتعلق أولا بالسياسات الأمنية الموجودة داخل مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" والشمال السوري الخاضع بشقيه لسيطرة "تحرير الشام" وفصائل "الجيش الوطني السوري".
وتلعب الأفكار السلفية دورا في الحد من حركة وحرية النساء، بالإضافة إلى غياب قوانين حماية النساء لدى الحكومة السورية، على الرغم من إلغاء المادة الأخيرة من قانون العقوبات، والمعروفة باسم "العذر المخفف" لـ"جرائم الشرف".
وتوضح المحامية السورية: "هناك أساس قانوني يبيح ويشرعن العنف ضد النساء لدى الحكومة السورية، وأيضا هناك أعراف وعادات وتقاليد وعقلية مجتمعية ذكورية تكرس موقع المرأة كدرجة ثانية وثالثة من درجات المواطنة".
"الجرائم لا تسقط بالتقادم"
منذ عام 2011، شاركت المرأة السورية بفعالية كبيرة مع انطلاقة الثورة السورية، خاصة في المراحل السلمية.
وبعد هذه الفترة وبشكل تدريجي، انخرط اسمها بشكل غير مباشر في الانتهاكات باختلافها، سواء القصف والعمليات العسكرية أو حملات التهجير والتوجه لكسب لقمة العيش كما هو الحال بالنسبة لمئات آلاف الرجال من السوريين.
وبالرغم من هذا الواقع الأليم، تؤكد شهادات عديدة نقلها "المرصد السوري" أن المرأة السورية لم تتخلص بعدُ من عقدة التردد والخوف من المطالبة بحقوقها الإنسانية حتى تكون عرضة للملاحقة والانتقام أو الاعتقال، لذلك تجد نفسها مجبرة على الرضوخ للعائلة والمجتمع والسلطة، خوفا من مصير مجهول.
وقد ساهمت الحرب في "ترسيخ التفكير الذكوري" الذي يقف أمام مطالبات النساء بحقوقهن، وكأنها جريمة، لتختار الأغلبيةالصمت تجنبا لتلك النظرة الدونية التمييزية التي بفرضها واقع المجتمع وتغذيها الظروف السياسية والاستبداد منذ عقود، وفق المرصد.
وكما سائر حالات النزاع والحروب، تدفع المرأة الثمن الأكبر في تصديها لتحديات مجتمعية وموروثات ثقافية، جعلت من هيمنة الرجل في المجال الخاص أمر طبيعي وغير إشكالي، حسب قول الدكتورة في العلوم السياسية، رهف الدغلي.
وتقول: "في ظل انتشار السلاح ومفهوم العسكرة تصبح المرأة ضحية لهذه الثقافة الذكورية، والتي تكرس لمفهوم القتل بدافع الشرف كأمر أيضا روتيني ويخضع لأهواء ودوافع ذكورية بحتة تكون أشد في ظل غياب سلطة القانون".
وبالنسبة لسلطات الأمر الواقع وسؤال ما إذا كان هذا العنف مشرعن ضد المرأة؟ تضيف الباحثة السورية: "هذه السلطات تواجه تحديات اقتصادية وعسكرية كبيرة قد تجعل من محاسبة المعنفين أمرا ثانويا. أيضا تقوم هذه السلطات باستقطاب واسترضاء للمكونات الباترياركية، بغرض بسط سلطتها وشرعيتها الداخلية مما يجعل محاسبة ابن عشيرة ما مهددا لولاء تلك العشيرة أو القبيلة".
وهناك أيضا سلطات أمر واقع كـ"هيئة تحرير الشام"، والتي تستخدم خطابا إسلامويا يكرس التمييز السلبي ضد المرأة، ويشرع خضوع المرأة لسلطة الرجل في كافة المجالات.
وترى الدغلي أن تحسين وضع المرأة "يحتاج لدولة مؤسسات ودولة مواطنة، تقوم بترسيخ قوانين عادلة اتجاه المرأة، وأيضا إعادة التفكير في الخطاب الوطني والذي لا يبجل هيمنة الرجل في المجال الخاص والسياسي"، بينما يحتاج "التخلص من هيمنة الثقافة الذكورية" إلى سردية وطنية لا تحصر بناء الأمة أو الدولة في تضحيات الرجل العسكرية أو قدرته على القتال.
وتشير المحامية صباح حلاق، من جهتها، إلى أن الحلول الممكنة هي "النص بالدستور"، لأن جميع الدساتير السورية خلت من تجريم العنف وإلغاء التمييز وحصره، ولم تنص أيضا على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات والواجبات.
وبعد ذلك، تضيف حلاق: "يجب أن تتوائم جميع القوانين مع النصوص الدستورية، وهكذا نبدأ بتعديلات جذرية لقوانين الأحوال الشخصية الثمانية".
وتوضح المحامية السورية أن الجرائم ضد النساء في الحروب الأهلية والنزاعات، وخاصة الاغتصاب والإتجار بالبشر والإرغام على الدعارة هي "جرائم حرب لا تسقط بالتقادم".
وتشير: "لا يمكن الحكم أن القتل والعنف ضد المرأة ازداد في2021 . الإحصائية المتعلقة بذلك تثبت استمرار ذلك".