«سوبرمان» -->
عالم محير 83 عالم محير 83

«سوبرمان»


«سوبرمان»

«سوبرمان»

هوليوود تخلد أبطالها الخارقين أو ربما الأوائل، فمهما تقدم بنا الزمن وتطور، سيبقى سوبرمان وسبايدرمان وباتمان من الأبطال الذين لا يموتون ولا تنساهم السينما العالمية، وكأن هوليوود تتعمد تخليد تلك الشخصيات لتواكب كل الأجيال مهما تبدلت الأزمنة وتطورت التقنيات، فلا بد أن تجد طريقاً لأبطالها الخارقين كي يتصدروا المشهد وتقدمهم مراراً وتكراراً وفق أحدث التقنيات.. أبطال لا يموتون وصناعة تعرف كيف تكسب الملايين من الأموال من تلك الحكايات الخرافية وتكسب ملايين المشاهدين مع كل إصدار حول العالم، وها هي أحدث نسخة من «سوبرمان» تحقق نجاحاً كبيراً في الصالات، رغم أن الاختلاف ليس كبيراً عن كل ما سبق أن شاهده الجمهور عبر تنوع الأجيال وتبدل الأبطال في أفلام سوبرمان والتي بلغت تقريباً 12 نسخة، إنما السر فيمن يجيد امتلاك السحر في هذه الصنعة وكسب ود الجمهور وإبهاره في كل مرة.


لا إضافات للاسم، فالكاتب والمخرج جيمس غان اختار لفيلمه عنوان «سوبرمان»، كما اختار من الممثلين ديفيد كورنسويت ليكون الأقرب بالشبه من النجم كريستوفر ريف الذي جسد شخصية سوبرمان عام 1978 (أول فيلم حوّل شخصية سوبرمان من الكرتون الورقي القصصي إلى السينما كان عام 1948)، ويبدأ غان فيلمه بمشهد عاطفي مؤثر، سوبرمان مصاب ينزف دماً في منطقة باردة وحيداً فوق الثلج، لا يتحرك فقط يتنفس بصعوبة حتى يتمكن من استدعاء كلبه بصوت صفير مميز، إنه «كريبتو» كلب خارق ذكي لكنه شقي أيضاً يحب اللعب طوال الوقت. كريبتو ينقذ سوبرمان بسحبه من عباءته لإدخاله في منزله الجليدي حيث يجتمع رجال آليون يساعدون سوبرمان بل يشكلون فريقاً طبياً يجري عملية مستعجلة للرجل الخارق، ويعيدون عرض شريط فيديو متقطع لوالدي سوبرمان الأصليين اللذين حملاه من كوكب كريبتون حين كان رضيعاً إلى كوكب الأرض كي يعيش وسط البشر العاديين وينقذهم بما يملك من قوة خارقة، قبل أن يتم تدمير كريبتون وقتل والديه. وكالعادة، لا ينتظر سوبرمان حتى يستعيد عافيته تماماً بل يسرع إلى استكمال مهمته في إنقاذ الناس بينما نرى في مخيم «إل سي» وهو اختصار ل «لوثر كورب» الكثير من الرجال الآليين (روبوتات) والقليل من الآدميين، يتحكم فيهم رجل واحد اسمه ليكس لوثر يجسده نيكولاس هولت بأداء رائع يأخذك مباشرة إلى شخصية حقيقية مشهورة جداً «إيلون ماسك»، لوثر يشرف على جيش من الفنيين في مقر شركة لوثر كورب، ويجني مليارات الدولارات من عقود يبرمها مع الحكومات والوزارات باعتباره العبقري القادر على التحكم بكل شيء بالتقنيات الحديثة ويتعاقد مع «الرئيس» للقضاء على «الكريبتوني» والمقصود به سوبرمان ويقنع وزير الدفاع بل الحكومة كلها في الولايات المتحدة الأمريكية بأن سوبرمان يشكل خطراً وقد أرسله والداه ليدمر الأرض ويخدع لوثر الشعوب، خاصة الفقراء والضعفاء، بينما هدفه الحقيقي تدمير سوبرمان.


رداء الفانتازيا والخيال

من أهم ما يتميز به هذا الفيلم أنه يُلبس الواقع الحالي رداء الفانتازيا والخيال بشكل واضح يمكن لكل الجمهور فهمه، «الرئيس» يشبه بجنونه وغروره وكذبه على الناس وولعه بالحروب ورغبته الجامحة في القضاء على المهاجرين وعلى شعب بلدة فقيرة مسالم لا يملك سلاحاً، رؤساء يحكمون العالم اليوم، شعب يدافع عن نفسه بالحجارة وأطفاله يشاركون في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم ويرفعون راية عليها شعار سوبرمان، وينادون باسمه لمساعدتهم.. شعب أعزل مقابل جحافل من الدبابات العسكرية والجيش الآدمي والآلي، وخطاب مجنون من رئيس يذكرنا بالرؤساء الديكتاتوريين الذين عرفهم ويعرفهم هذا العالم، مع نقطة مهمة تدفع الجمهور لربط الشخصيات الخيالية بالحقيقية، وهي العلاقة الوطيدة بين لوثر و«الرئيس»، وتآمرهما واتفاقاتهما السرية من أجل السيطرة على العالم والشعوب، والصفقات المشبوهة وهوس لوثر بالتكنولوجيا والروبوت مقابل هوس «الرئيس» بالقضاء على الضعفاء والتحكّم بالعالم ورسم خريطة جديدة له!


إنعاش المشاهدين

وسط المعارك الكثيرة التي يواجهها سوبرمان، لا ينسى جيمس غان تقديم مساحات رومانسية وعاطفية وإنسانية تنعش الجمهور، مثل مشهد عودة لويس لين، التي تُجسد دورها رايتشل بروسناهان، إلى شقتها لتجد كلارك كينت (ديفيد كورنسويت)، يُحضّر لها فطوراً للعشاء كمفاجأة احتفالاً بمرور ثلاثة أشهر على زواجهما، كلارك يقول إنه الطبق المفضل للويس، التي تجيبه بأنه طبقه المفضل والذي يعتبر فطوراً وهو يصر على أكله مساء.. بعض التفاصيل الصغيرة تمنحنا الإحساس بالعلاقة الطبيعية والبسيطة بين هذا الثنائي المحبوب، كلارك (سوبرمان) ولويس، كما حافظ غان على طبيعة وظيفة كلارك كمحرر في صحيفة وزميل للويس، والوحيد الذي تمكن من نشر لقاءات حصرية مع الرجل الخارق الذي يعشقه الناس «سوبرمان»، لكن هذه المرة قرر كلارك منح لويس فرصة ذهبية بإجراء حوار مع سوبرمان كي لا تتهمه، كما تفعل دائماً، بالانحياز لأنه يجري حواراً مع نفسه، لكن حوار لويس المسجل يخلق خلافاً كبيراً بينها وبين كلارك لاتهامها له بأنه قرر إنهاء حرب لإنقاذ شعب بوريفيا دون العودة إلى الولايات المتحدة واستئذان السلطات، وكأنها تشكك في حسن نواياه ما يخلق خصاماً بينهما يغادر على إثره سوبرمان منزل لويس وهو في قمة غضبه، وهذا الخلاف يأتي في الوقت الذي يتمكن فيه لوثر من اختراق منزل سوبرمان وتدمير رجاله الآليين وسحب كل المعلومات عنه وتغيير الحقائق بالتلاعب بشريط الفيديو الذي تركه والدا سوبرمان له، لوثر وبفضل الذكاء الاصطناعي يستكمل الشريط بكلمات تبين أن هدف سوبرمان هو استقطاب الشعوب بالطيبة والمودة من أجل كسبها كي يتمكن من القضاء عليهم لاحقاً والسيطرة على الكرة الأرضية والتحكم فيها، حتى سوبرمان يصدق ما يراه ويسمعه وتنشره كل وسائل الإعلام الأمريكية ويشك في نفسه، لذلك يقرر تسليم نفسه للسلطات الأمريكية، وبشكل تلقائي يتم تحويله إلى مخيم لوثر كورب، حيث يضعه لوثر في سجن يتم فيه تعذيب عائلات وأفراد عاديين وخارقين.



سلسلة روائع

عمل رائع يضاف إلى سلسلة روائع المخرج غان مثل «حراس المجرّة» و«بيسميكر» وغيرهما.. وفيلم يضاف إلى ما تنتجه «دي سي» من أفلام الخيال لأبطالها الخارقين، وقد استطاع غان تقديم مشاهد مُنفذة بإتقان، وأثرى القصة بحوارات خلقت توازناً بين المعارك والمشاهد التقنية من جهة والقصص الإنسانية المملوءة بالمشاعر والمعاني من جهة أخرى.. كذلك نستمتع بالأداء الجاد والمؤثر لكورينسويت وبروسناهان، والتنوع الكبير في أدوار الممثلين المساعدين الموهوبين، مثل نيكولاس هولت بشخصية لوثر، وصديقته المؤثرة إيف تيشماخر (سارة سامبايو) التي تبدو تافهة بهوسها بالتقاط صور سيلفي في مقر لوثر، بينما تلعب دوراً مهماً وتكشف عن ذكائها في النهاية، كذلك ويندل بيرس بدور بيري وايت، وسكايلر جيسوندو المميز بدور المصور الصحفي جيمي أولسن، أضف إليهم أعضاء «عصابة العدالة» الذين يأتون لمساعدة سوبرمان، ماريا جابرييلا دي فاريا بدور المهندسة السوداء، مستر تيريفيك (إيدي جاثيجي)، الفانوس الأخضر (ناثان فيليون)، وهوك جيرل (إيزابيلا ميرسيد).. هذا الثلاثي مسلٍ يضيف إلى الفيلم لمسة كوميدية وتشويقية جميلة.


رسالة شديدة الوضوح

أوجه التشابه بين الواقع المعاصر وما نراه في هذه النسخة من «سوبرمان» كبير جداً بل جريء، لدرجة أنك تستغرب كيف تمكن المؤلف والمخرج غان من تقديم فيلم سياسي واقعي تحت ستارة الرجل الخارق المحبوب من كل الناس، رسالة سياسية شديدة الوضوح أكثر من أي فيلم سياسي اجتماعي مباشر، ناهيك عن أنه فيلم متقن وممتع ويحافظ على مسيرة «سوبرمان» السينمائية.


 

التعليقات

';


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

عالم محير 83

2016