
ترامب يغير موقفه من قضية جيفري ابستين ونقطة ضعف جديدة له يتم كشفها
في تطور لافت، اضطر الرئيس دونالد ترامب إلى تغيير موقفه في قضية جيفري إبستين، تحت ضغط مكثف من أشد مؤيديه، إذ أمر في لحظة نادرة كشفت عن نقطة ضعف جديدة له، وزيرة العدل الأمريكية بام بوندي، برفع السرية القضائية عن وثائق إبستين التي تسبب له إحراجاً كبيراً في الأيام الأخيرة.
لم تكن المعارضة التقليدية من الديمقراطيين أو الجمهوريين المعتدلين أو حتى المحاكم هي التي شكلت التحدي الأكبر لترامب في ولايته الثانية، بل جاءت المعارضة الأكثر تأثيراً من داخل صفوف حركة «ماغا»، المنظمة السياسية الضخمة والمعروفة بولائها الشديد لترامب الذي تبني شعاره «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»
السلطة أمام الشعبية
وبعد أسبوعين من النقاشات الحادة التي قادها مؤثرون من حركة «ماغا»، وجه ترامب الجمعة، تعليماته إلى وزيرة العدل بام بوندي للمطالبة بالكشف عن شهادات هيئة المحلفين في قضية إبستين، وذلك بعد أن وصف ترامب ملفات إبستين بأنها «خدعة» يدبرها الديمقراطيون، لعرقلة مشاريعة وقراراته، منتقداً مؤيديه واصفاً إياهم بـ«الضعفاء» لتصديقهم بوجود مؤامرة أوسع، ولتنفيذهم بحسب قوله أجندة الحزب الديمقراطي عبر التركيز على ملف إبستين بدلاً من الاحتفاء بإنجازاته السياسية الأخيرة.
وتأتي دعوة ترامب للإفراج عن مزيد من الوثائق، بعد أيام من الضغط المستمر من بعض أكثر مؤيديه ولاءً، الذين طالبوا بكشف المزيد عن قضية إبستين.
وكان ترامب صديقاً لإبستين وقد نشرت صور وفيديوهات لهما معاً في حفلات على مر السنين، على الرغم من عدم بروز أي دليل يظهر ارتكابه أي مخالفة، لكن المقال الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الجمعة، أعاد القضية التي تأبي أن تدفن في سجلات التاريخ إلى الواجهة مجدداً.
ووفق الصحيفة، فإنّ غيلين ماكسويل شريكة جيفري إبستين، طلبت من عشرات من أصدقائه المقرّبين، وبينهم ترامب الذي كان آنذاك قطباً عقارياً، تقديم مساهمات لكتاب على هيئة سجلّ للزوار أُعدّ هدية لشريكها لمناسبة عيد ميلاده الخمسين.
وأسهم ترامب يومها، بحسب وصف الصحيفة، برسالة «فاحشة» كغيرها من الرسائل التي تضمّنها الكتاب، ولكن الرئيس الأمريكي دافع عبر «تروث سوشال» عن نفسه قائلاً: «هذه ليست كلماتي... قلت لروبرت مردوخ إنّها عملية احتيال، وإنّه ينبغي عدم نشر هذه القصة الكاذبة. ولكنه فعل والآن سأقاضيه».
وأعرب ترامب عن أسفه لأنّ الصحيفة أصرّت، رغم تحذيره إيّاها، على «نشر مقال كاذب وخبيث وتشهيري»، مؤكّداً أنّه «لو كانت هناك ذرّة من الحقيقة في خدعة إبستين، لكانت هذه المعلومات قد كُشفت قبل وقت طويل» من قبل خصومه السياسيين.
جذور الخلاف
كان هذا التحول قد أعقب تقريراً من وزارتي العدل والتحقيقات الفيدرالية «إف بي أي، خلص إلى عدم وجود «قائمة عملاء» مخفية أو دليل على الابتزاز، وأن إبستين توفي منتحراً، ما أثار موجة غضب لدى أنصار «ماغا» على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ترفض الحركة في تصديق ذلك و يعتقد البعض في صفوفها أن مرتكب الجرائم الأخلاقية، الذي انتحر عام 2019، كان يملك معلومات مسيئة لشخصيات بارزة، وأنهم هم من أمروا بقتله.
وفي الأشهر الأخيرة، وجهت حركة «ماغا» انتقادات متكررة لإدارة ترامب، معتبرة أن مواقفه الحازمة في قضايا أساسية قد تم التخلي عنها.
على صعيد الشرق الأوسط، أعربت أصوات بارزة مثل تاكر كارلسون والنائبة مارجوري تايلور غرين عن إحباطهم من سياسات ترامب المؤيدة لإسرائيل والضربات العسكرية على إيران، فالرئيس الذي انتقد مغامرات أمريكا السابقة أو الفاشلة في الشرق الأوسط يُخاطر برئيس آخر، ليس رئيس أحلامهم صاحب شعار «أمريكا أولاً».
وفي أوكرانيا، أثار قرار ترامب تزويد كييف بأسلحة هجومية قادرة على ضرب روسيا استياء أنصاره الذين يرون أوكرانيا كمثيرة للصراع.
وفي قضية الهجرة، أثار اقتراح ترامب استثناء بعض العمال غير الشرعيين في قطاعي الضيافة والزراعة من الترحيل موجة من الانتقادات واتهامات بـ«العفو».
كيف تضغط ماغا على «ترامب»؟
في ظل حكومة ترامب التي وسعت من سلطاتها التنفيذية بشكل كبير، أصبحت الضوابط التقليدية مثل الكونغرس أو القضاء أقل تأثيراً، ومع ذلك، يبدو أن المساءلة الأكثر أهمية تأتي الآن من مؤيدي ترامب الأكثر ولاءً، الذين يظهرون قوتهم في فرض مطالبهم على الرئيس.
بعد ستة أشهر من ولايته الثانية، نجح ترامب في تحقيق أولوياته التشريعية بسهولة نسبية، حيث أقر مشروعه التشريعي الرئيسي في الرابع من يوليو، متغلباً على معارضة داخل حزبه الجمهوري، بما في ذلك «تيار الحرية» المتمرد، كما أضعف الديمقراطيين في الكونغرس، الذين باتوا يفتقرون إلى أدوات فعالة لعرقلة أجندته، فيما قيدت المحكمة العليا قدرة المحاكم الدنيا على تعطيل سياساته.
وداخل الإدارة، تم استبدال المراقبين الرئيسيين بموالين، مع استمرار البحث عن شخصيات من «الدولة العميقة» التي قد تعرقل خطط ترامب.
ويرى محللون أن تراجع ترامب هذا أمام قاعدته الشعبية أمراً استثنائياً ومقلقاً، حيث يظهر أن الضغط الأكبر يأتي من أولئك الذين كانوا يقدمون له الدعم غير المشروط.
هل يتأثر ترامب ؟
تري صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية أن كل هذه الخلافات بين ترامب وماغا ستمر ؛ لكن كل واحدة منها تكشف حقيقة مهمة: ترامب و«ماغا» لم يعودا الشيء نفسه؛ حركته - المثقفون، والمانحون، والقاعدة الشعبية الأكثر انخراطاً التي تمثل جيشاً إلكترونياً لديها قناعات راسخة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا شيء من هذا يُشكل خطراً على ترامب نفسه؛ فهو يُخفي الاختلافات بقوة الكاريزما، والنجاح الانتخابي، والتنفيذ المُلتزم لأولويات «ماغا» الرئيسية مثل التشكيك في اللقاحات، وشعوذة الصحة العامة التي لا يؤمن بها بوضوح، وهذا سيحميه من أي معارضة داخلية جادة حتى عام 2029، وهو الموعد المُقرر لمغادرته منصبه، أو على الأقل حتى انتخابات منتصف المدة أواخر عام 2026.