التاريخ يعيد أحداثه : مقارنة بين فترة ملوك الطوائف والحكم الحالي -->
عالم محير 83 عالم محير 83

التاريخ يعيد أحداثه : مقارنة بين فترة ملوك الطوائف والحكم الحالي

التاريخ يعيد أحداثه : مقارنة بين فترة ملوك الطوائف والحكم الحالي

التاريخ يعيد أحداثه : مقارنة بين فترة ملوك الطوائف والحكم الحالي 

 

ملوك الطوائف هي فترة مظلمة وحاسمة في تاريخ الأندلس الإسلامي (بدأت حوالي 422 هـ / 1031م)، حيث تفككت دولة الخلافة الأموية المركزية إلى حوالي **22 دويلة** صغيرة متناحرة.


يجد الكثير من المحللين والمؤرخين المعاصرين أوجه شبه مقلقة بين حالة التفكك والضعف التي عاشها المسلمون في الأندلس آنذاك والوضع الحالي للعديد من الدول والحكومات في العالم الإسلامي.



 ملوك الطوائف: نبذة تاريخية


بعد سقوط الخلافة الأموية في قرطبة، استقل كل أمير أو والٍ بمنطقته، وتلقبوا بألقاب عظيمة (كالناصر والمستعين والمعتمد)، رغم أن ممالكهم كانت صغيرة جداً. وقد تميز هذا العصر بـ:


1.  **التناحر الداخلي:** قتال مستمر بين الدويلات المسلمة المتجاورة لضم أراضٍ صغيرة، بدلاً من التوحد.

2.  **الترف والفساد:** انشغال الحكام بالبذخ، والشعر، واللهو، وإهمال التحصينات وقضايا الأمة الكبرى.

3.  **الخضوع للعدو:** دفع **الجزية** للممالك المسيحية في الشمال (ممالك قشتالة وليون)، واستخدام العدو (ألفونسو السادس تحديداً) للاستقواء به على الأخ المسلم المنافس.

4.  **الضعف العسكري:** الاعتماد على العدو الأجنبي في الحماية أو القتال، مما أدى إلى تآكل قوة المسلمين الذاتية.

5.  **سقوط الرمز:** سقطت طليطلة (وسط الأندلس) في عام 1085 م، وكانت أول إشارة واضحة لانهيار الوجود الإسلامي.



 أوجه الشبه بين وضع ملوك الطوائف وحكام المسلمين اليوم


يمكن تلخيص أوجه الشبه التي يراها المحللون بين الوضعين التاريخي والمعاصر في النقاط التالية:


| وجه الشبه | ملوك الطوائف في الأندلس (القرن 11 م) | وضع بعض حكام المسلمين اليوم (القرن 21 م) 


 **التشرذم السياسي**  تفكك الدولة المركزية إلى دويلات صغيرة متناحرة (أكثر من 22 طائفة).  انقسام الأمة إلى عشرات الدول القطرية ذات الحدود المصطنعة مع خلافات إقليمية حادة. 


 **التنافس على النفوذ**  قتال مستمر بين المعتمد بن عباد وبني الأفطس وبني هود وغيرهم للاستيلاء على مدن الجوار. | صراعات إقليمية (باردة أو ساخنة) بين دول الجوار للسيطرة على مناطق نفوذ أو موارد (طاقة، مياه، أسواق). 


 **الاستعانة بالقوى الخارجية**  دفع الجزية للملوك المسيحيين (ألفونسو السادس) واستخدامهم كمرتزقة ضد الطوائف المسلمة الأخرى. | الاستعانة بالقوى العظمى العالمية (الغربية أو الشرقية) كـ "حماية" أو "غطاء" ضد الأعداء، أو ضد خصوم إقليميين، مع دفع ثمن سياسي واقتصادي باهظ. 


**إهمال القضايا الكبرى** انشغال الحكام بالترف، والبذخ، وإقامة مجالس الأدب واللهو، على حساب تحصين الثغور وحماية الأمة. | انشغال الكثير من الأنظمة بالكماليات، ومشروعات التفاخر، وتكميم الأفواه، مع إهمال قضايا الأمة المصيرية (كفلسطين أو الأمن الغذائي المشترك). |

 **هوان الأمة** تدهور المكانة العسكرية للمسلمين لدرجة أن الملوك المسيحيين كانوا يتصرفون في شؤونهم الداخلية (مثل لسان الدين بن الخطيب). | ضعف الموقف التفاوضي للعديد من الأنظمة أمام القوى العظمى أو القوى الإقليمية المعادية، وفقدان القرار المستقل. |

**فقدان الرمزية الجامعة**  سقوط الخلافة في قرطبة وغياب المرجعية الروحية والسياسية الجامعة. | غياب مشروع وحدوي أو مرجعية سياسية كبرى قادرة على توحيد الصف وتوجيه الموارد نحو خدمة الأمة. |


قول المعتمد بن عباد:


أحد أشهر ما يُستدل به على هذه المقارنة هو قول المعتمد بن عباد (ملك إشبيلية)، عندما خُيّر بين الاستعانة بالمرابطين أو الخضوع لألفونسو:


 "والله، لئن أرعى الجمال عند ابن تاشفين (المرابطي)، خيرٌ لي من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو."


يُشير هذا القول إلى أن الخيار بين الاعتماد على قوة مسلمة قادمة من الخارج، أو الخضوع للعدو، كان هو المفصل في تاريخهم. يرى الكثيرون أن الحكام اليوم يميلون إلى "رعاية خنازير الأجنبي" بدلاً من الوحدة مع "جمال الأقرباء" (في إشارة رمزية للاستقواء بالغرب على القريب المسلم).


كيف تحققت المقولة وخالفها المعتمد بن عباد في النهاية؟

يمكن تحليل هذا الموضوع من خلال مسارين:

1. المسار الذي أطلق فيه المقولة (الاضطرار للاستعانة)

  • السياق: بعد سقوط طليطلة عام 1085 م بيد ألفونسو السادس ملك قشتالة، وتهديده المباشر لإشبيلية (عاصمة المعتمد)، شعر المعتمد بالخطر الوجودي.

  • الخيار الصعب: كان أمام ملوك الطوائف خياران: إما الخضوع التام لألفونسو ودفع الجزية المذلة، أو طلب المساعدة من القوة الإسلامية الوحيدة القادرة على إنقاذهم، وهي دولة المرابطين في المغرب بقيادة يوسف بن تاشفين.

  • المقولة: المعتمد فضل الاستعانة بالمرابطين، ونطق بمقولته الشهيرة، معبّرًا عن كرهه للخضوع للنصارى وتفضيله حكم المسلمين، حتى لو كان حكمًا صارمًا.

  • النتيجة المباشرة: عبر يوسف بن تاشفين، ووقعت معركة الزلاقة (1086 م)، التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا على ألفونسو.

2. المسار الذي "خالف" فيه المعتمد المقولة ومصيره

بعد انتصار الزلاقة، أدرك يوسف بن تاشفين الأسباب الجذرية لضعف الأندلس، وهي: فساد ملوك الطوائف، وتناحرهم، واستمرار تعاونهم السري مع الممالك المسيحية.

  • ردة فعل المعتمد: بعد رحيل ابن تاشفين، عاد المعتمد وغيره من ملوك الطوائف إلى سيرتهم الأولى من الترف وإهمال الثغور (إهمال تحصين المدن الحدودية).

  • المرابطون يتخذون القرار: قرر ابن تاشفين ضم الأندلس وإنهاء حكم الطوائف لتوحيد الجبهة الإسلامية، بعد أن رأى أنهم لن يتوقفوا عن التناحر. فبدأ بخلع ملوك الطوائف واحدًا تلو الآخر.

  • نهاية المعتمد: تم خلع المعتمد بن عباد من عرشه عام 1091 م، ونُفي إلى أغمات في المغرب الأقصى.

  • تحقيق النبوءة الشخصية: في منفاه في أغمات، عاش المعتمد حياة بائسة وفقيرة، حيث عملت بناته، اللواتي كن أميرات مدللات في إشبيلية، في غزل الصوف ورعاية الماشية (بما في ذلك الجمال والإبل).

خلاصة المخالفة:

بينما اختار المعتمد بن عباد في البداية "رعي الجمال" سياسيًا بالخضوع لحكم المرابطين بدلاً من "رعي الخنازير" بالخضوع للنصارى، فإنه خالف هذا الاختيار لاحقًا بسلوكه، وعوقب عليه بأن أصبح مصيره وعائلته بالفعل قريبًا من رعاية الجمال (كرمز للعمل الشاق والفقر) في منفاه، حيث عاش ومات أسيرًا لابن تاشفين، بدلاً من أن يكون ملكًا تحت قيادته. لقد كان مصيره عبرة تاريخية لدفع ثمن التهاون في إدارة شؤون الأمة.


الخلاصة:

 التاريخ يعيد نفسه في جوهره؛ فالتفرقة، والنزاع على المصالح الضيقة، والاستعانة بالعدو الخارجي، هي دائماً **وصفة جاهزة لانهيار كيانات الأمة** وضعفها أمام التحديات الخارجية.

التعليقات

';


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

عالم محير 83

2016