
⚔️ فارس والإرث المزدوج: تحليل تاريخي لدور إيران في
الساحة الإسلامية
إيران (فارس): صراع الهوية بين الإرث الإمبراطوري والانتماء الإسلامي
المقدمة: جدلية "فارس" في الوجدان الإسلامي
تمثل بلاد فارس (إيران حالياً) عمقاً حضارياً قديماً، يمتد آلاف السنين، وقد شهدت العلاقة بين هذا الكيان الجغرافي والثقافي والأمة الإسلامية جدلاً مستمراً. هذا الجدل يتأرجح بين مرحلة صراع الإمبراطورية الساسانية القديمة مع فجر الإسلام، ومرحلة الاندماج الحضاري الذي أثمر كبار علماء الأمة، وصولاً إلى التحول السياسي والدور الإقليمي الحالي. نسعى هنا لتحليل هذا المسار التاريخي المعقد وتأثيره.
الوقفة الأولى: صراع الإمبراطورية وسقوط عرش كسرى
في فجر الإسلام، كانت فارس تمثل الإمبراطورية الساسانية القوية، وخصماً تاريخياً تقليدياً للروم. بدأت الصدامات الحاسمة بعد أن أرسل النبي محمد ﷺ رسالة إلى كسرى الثاني (برويز) يدعوه فيها للإسلام، فمزق كسرى الرسالة.
- معركة القادسية (636 م): كانت نقطة التحول الكبرى بقيادة سعد بن أبي وقاص، حيث سقط القائد الفارسي رستم فرخزاد، وتلاشت القوة العسكرية الساسانية. 
- نهاية كسرى: تلا ذلك سقوط المدائن (عاصمة الفرس)، وهروب آخر ملوك الساسانيين، يزدجرد الثالث. كان سقوط عرش كسرى رمزاً لنهاية إمبراطورية دامت قروناً، وبداية انخراط بلاد فارس في محيط الحضارة الإسلامية. 
الوقفة الثانية: "العصر الذهبي" والمساهمة الفارسية في الحضارة الإسلامية (H2)
بمجرد اعتناقهم للإسلام، لم تنطفئ شعلة العبقرية الفارسية، بل انصهرت في بوتقة الحضارة الجديدة، وأثرت الساحة الإسلامية بعلماء وأدباء لا يُستغنى عنهم. هذه المساهمات لم تكن مقتصرة على الشيعة، بل شملت كل مدارس الفكر الإسلامي:
| المجال | الشخصية الفارسية البارزة | الإسهام في الساحة الإسلامية | 
| الحديث النبوي | الإمام البخاري (صاحب صحيح البخاري) | جمع وتصنيف أصح الكتب بعد القرآن الكريم. | 
| الطب والفلسفة | ابن سينا | شيخ الأطباء والفلاسفة، صاحب "القانون في الطب". | 
| الكيمياء | جابر بن حيان | يُعد مؤسس علم الكيمياء الحديثة. | 
| اللغة والنحو | سيبويه (أصل كلمة سيبويه فارسي) | إمام النحاة وصاحب كتاب "الكتاب" في قواعد اللغة العربية. | 
| الأدب والفن | الفردوسي، حافظ الشيرازي، جلال الدين الرومي | قامات في الشعر والأدب الصوفي والفارسي، أثرت في الثقافة الإسلامية والعالمية. | 
الدلالة: يثبت هذا العصر أن الانتماء الديني تجاوز الهوية القومية، حيث أبدع الفرس وخدموا اللغة العربية والدين الإسلامي ببراعة منقطعة النظير.
الوقفة الثالثة: إيران الحديثة وحلم استعادة "الأمجاد"
مع قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979، بدأت مرحلة جديدة تعيد فيها الدولة تعريف هويتها ودورها الإقليمي. يرى المحللون أن النظام الحالي يدمج بين مبادئ الثيوقراطية الشيعية والنزعة القومية الفارسية بشكل معقد.
- استعادة أمجاد كسرى (منظور النقد): يرى بعض المحللين السياسيين أن هناك تياراً فكرياً داخل النظام يسعى لإحياء النفوذ الإمبراطوري الفارسي القديم (وهو حلم إمبراطورية كسرى)، ليس تحت اسم "الساسانية" بل تحت غطاء تصدير الثورة والنفوذ المذهبي. هذا التوجه يُنظر إليه على أنه معيب من قبل الكثيرين في الأمة العربية، لأنه: - يؤدي إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية (العراق، سوريا، لبنان، اليمن). 
- يستند إلى أيديولوجية توسعية تهدد الأمن القومي العربي. 
- يتسبب في استقطاب مذهبي يزيد من التناحر الداخلي في المنطقة. 
 
- نظرة إيران لنا: غالباً ما تنظر المؤسسة الحاكمة الإيرانية إلى محيطها كـ ساحة نفوذ حيوية يجب السيطرة عليها لضمان أمنها الجيوسياسي، باستخدام أدوات القوة الناعمة والصلبة، وهو ما يراه العرب تجاوزاً لمبدأ سيادة الدول. 
الخاتمة: التحدي المستقبلي
في الختام، تبقى العلاقة بين الكيان الفارسي والأمة العربية والإسلامية علاقة إرث مزدوج. فبقدر ما قدمت هذه الأرض من علماء أسسوا الحضارة، بقدر ما تثير سياساتها الحالية جدلاً واسعاً حول طبيعة دورها في المنطقة.
إن الطريق للسلام الإقليمي والتعاون يمر عبر احترام مبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والعودة إلى الهدف الإسلامي المشترك الذي وحد كلاً من العرب والفرس سابقاً.
سؤال للنقاش العميق:
هل يمكن للمنطقة أن تشهد مرحلة جديدة يكون فيها النفوذ الإيراني موظفاً لتحقيق التوازن والاستقرار الإقليمي، أم أن النزعة القومية/الإمبراطورية المتأصلة ستظل تشكل حجر عثرة أمام أي مشروع وحدوي عربي إسلامي حقيقي؟