
توم براك… الدبلوماسي-المستثمر الذي أثار غضب الخليج: ماذا قال؟ ولماذا قاله؟
عاد اسم توم براك إلى الواجهة مؤخراً بعد سلسلة من التصريحات التي اعتُبرت في الخليج “مستفزة” و“مجافية للواقع”، حين تحدث عن طبيعة الشرق الأوسط، وعن الدول الخليجية، وعن شكل المنطقة كما يراها من منظور تاريخي-سياسي مثير للجدل.
ورغم أن براك يحمل أصولاً عربية (لبنانية)، ورغم أنه يُقدَّم غالباً كـ“صديق للعرب”، فإن كلماته الأخيرة جعلت كثيرين يتساءلون:
هل كان يتحدث كدبلوماسي؟ أم كسمسار صفقات؟ أم كمنظّر يروّج لرؤية أميركية جديدة تجاه المنطقة؟
2. من هو توم براك؟
* مستثمر عقاري أميركي بارز، مؤسس شركة Colony Capital.
* أحد المقربين من دونالد ترامب، ورئيس لجنة التنصيب الرئاسي سابقاً.
* عُيّن مبعوثاً أميركياً في ملفات الشرق الأوسط، وله حضور سياسي-اقتصادي مؤثر.
* يشتهر بعلاقاته الواسعة في الخليج منذ الثمانينيات.
هذه الخلفية جعلته يلعب دوراً مزدوجاً: رجل أعمال… ودبلوماسياً “متقدماً” في قنوات خلفية.
3. تصريحات براك المثيرة للجدل
أطلق براك عدة تصريحات وُصفت بأنها “مستفزة” و“مغالية في التبسيط”، ومن أبرزها:
أولاً: “لا وجود لشرق أوسط… بل قبائل وقرى متفرقة”
وهو التصريح الذي فجّر الجدل، لأنه:
* يقلل من مفهوم الدولة الحديثة في الخليج.
* يُظهر رؤية أميركية تعتبر المنطقة مجرد تجمعات بلا هوية سياسية مستقرة.
* يوحي بأن الحدود الحالية نتيجة “مصادفات” تاريخية، لا بناء مؤسساتي.
ثانياً: حديثه عن “إعادة هندسة المنطقة”
تحدث براك عن أن الشرق الأوسط “سيعود شكلاً جغرافياً واحداً”، مشيراً إلى:
* الشام الكبير
* بلاد ما بين النهرين
* الامتداد العثماني القديم
هذا التصور وُصف بأنه إعادة إنتاج لخطاب استشراقي يخلط التاريخ بالسياسة الحديثة.
ثالثاً: تعليقه على الخليج
قال براك في إحدى لقاءاته إن:
بعض الدول الخليجية تمتلك ثروة لا تتناسب مع حجمها السياسي.”
*“الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بإعادة ترتيب المنطقة.”
ما اعتُبر انتقاصاً من ثقل دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات.
4. لماذا قال براك ذلك؟ قراءة في الدوافع
1) خطاب موجَّه للداخل الأميركي
قد يكون براك يحاول تقديم نفسه أمام الإدارة الأميركية كخبير “يعرف المنطقة أكثر من أهلها”، خصوصاً مع تصاعد التنافس على الملف الشرق أوسطي.
2) تهيئة لمشروع سياسي-اقتصادي جديد
تصريحات براك تشير إلى رؤية أميركية تريد:
* إعادة تشكيل التحالفات
* خلق واقع سياسي جديد
* ربط المنطقة بترتيبات أمنية واقتصادية بإدارة واشنطن
3) لغة استشراقية لتبرير تدخلات مستقبلية
بعض المحللين رأوا أن براك يعيد إنتاج خطاب “لورنس العرب”، حيث يعرض المنطقة ككيان هشّ يحتاج إلى “من يعيد ترتيبه”.
هذا الخطاب غالباً ما يسبق مشاريع ضغط أو تدخل سياسي.
4) رغبة شخصية في لعب دور أكبر
براك يجمع بين:
* السياسة
* الاستثمار
* العلاقات العربية
ما يجعله يسعى إلى تقديم نفسه باعتباره “مهندس المرحلة القادمة”.
5. الموقف الخليجي: رفض واستياء
خرجت ردود عديدة:
* رجال أعمال خليجيون بارزون وصفوا حديثه بأنه “سطحي” و“غير واقعي”.
* كتّاب رأوا أن كلامه “استشراقي” ويهدف إلى تسويق نفسه في واشنطن.
* آخرون أكدوا أن الخليج اليوم أقوى اقتصادياً وسياسياً مما يحاول براك الإيحاء به.
باختصار… لم تجد تصريحاته أرضية إيجابية في الخليج، بل أثارت شكوكاً حول نواياه الحقيقية.
6. تحليل ختامي: ماذا تعني تصريحات براك؟
يمكن قراءة كلام توم براك في ثلاثة مستويات:
أولاً: مستوى سياسي
ربما هي محاولة لإعادة تشكيل دور أميركا في المنطقة عبر لغة شديدة الجدية.
ثانياً: مستوى اقتصادي-استثماري
براك لا يفصل بين الدبلوماسية والصفقات…
وقد تكون تصريحاته تمهيداً لمشاريع أو ضغوط اقتصادية.
ثالثاً: مستوى شخصي-نرجسي
البعض يرى أن براك يحاول لعب دور تاريخي أكبر من حجمه، فيتحدث عن المنطقة كما لو كانت “ملعباً” قابلاً لإعادة التشكيل.
توم براك شخصية مركّبة:
**سياسي، ورجل أعمال، وصاحب خطاب أقرب إلى الاستشراق المعاصر.**
تصريحاته الأخيرة حول الخليج والشرق الأوسط أعادت الجدل حول الدور الأميركي في المنطقة، وحول حدود ما يمكن أن يقبله العرب من “خبراء الغرب” الذين يتحدثون عن المنطقة بمنطق فوقي.
ومع أن براك يعرف الشرق الأوسط جيداً، فإن كلامه الأخير أظهر فجوة كبيرة بين “الفهم الأميركي” و“الواقع الخليجي” الذي تغيّر كثيراً خلال العقد الأخير.