
المعارضة العربية… حين تتحوّل الخلافات إلى مادة للضحك بدل صناعة موقف
يبدو المشهد العربي اليوم محكومًا بثقافة سياسية هشة، تتقدم فيها الأهواء الشخصية على المبادئ، ويختلط فيها “الرأي السياسي” بالسخرية والتنابز، إلى درجة تجعل بعض المعارضين أكثر شغفًا بالمعارك الجانبية من انشغالهم بجوهر القضية التي يزعمون الدفاع عنها.
ومثال ذلك ما يتكرر في البرامج الحوارية والمنصات الرقمية، حين يتحول النقاش السياسي إلى مساحة صاخبة تُدار بالتهكم بدل الحجج، وبالمزاج لا بالمنهج.
رويات وهشاشة نضج سياسي
أحد الوجوه البارزة في هذه الحالة هو الصحفي السوري سمير متيني ؛ الذي أصبح مادة لجدل واسع بعد ظهوره في عدة برامج حوارية عربية، وهو مثال—لا أكثر—على نمط متكرر يتصدره عدد من الإعلاميين والمعارضين العرب الذين يتحدثون بلا رؤية واضحة، وبأسلوب لا يخرج عن دائرة الانفعال، ليصبحوا مادة ترفيهية أكثر من كونهم صوتًا سياسيًا مؤثرًا.
فعندما يُسأل أحدهم عن موقفه من الأنظمة التي ينتقدها، تنفلت منه كلمات، ويتعثر منطقه، وتختلط الإجابات بالتبريرات، حتى يبدو المشهد أشبه بمسرح مرتجل لا بخطاب معارض ناضج.
المعارضة العربية: صوت مرتفع… أثر منخفض
المفارقة أن كثيرًا من الشخصيات التي تقدّم نفسها بوصفها “معارضة” تعتمد في حضورها على الصخب لا على الفكر، وعلى التهكم لا على التحليل.
فتسمع ضجيجًا كبيرًا، وتجد جمهورًا يتابع من باب السخرية، بينما لا يلحظ أحد أي مشروع سياسي أو رؤية إصلاحية تُطرح على الطاولة.
وحين يصل النقاش إلى ملفات حساسة مثل سوريا، أو لبنان، أو فلسطين، أو الخليج، تبدأ موجة من المزايدات التي تُظهر عمق الانقسام بين “المعارضين أنفسهم” أكثر مما تكشف سوءات الأنظمة التي ينتقدونها.
الإعلام… لاعب يحرّك الخيط
البرامج الحوارية العربية ساهمت في تضخيم هذا النمط.
فهي تعتمد على استضافة شخصيات مثيرة للجدل، بعضها بلا عمق سياسي حقيقي، لأن ذلك يضمن مشاهدات أعلى واشتباكات أكثر، ولو على حساب جودة النقاش.
ولهذا، يتحوّل الضيف أحيانًا إلى أداة للترفيه السياسي، وتتحول المعارضة إلى “فقرة كوميدية” لا إلى صوت إصلاح.
أزمة حقيقية: لا مشروع… ولا قيادة… ولا تأثير
جوهر المشكلة لا يتعلق بشخص واحد، بل بغياب “المعارضة الجادة” في العالم العربي.
وفي ظل هذا الغياب، يصبح من الطبيعي أن يتصدر المشهد أشخاص يرفعون صوتهم بدل أن يرفعوا مستوى خطابهم، ويتكلمون في كل الاتجاهات دون امتلاك أدوات الفهم السياسي.
المعارضة ليست “شتيمة”، وليست “انفعالًا”، وليست حضورًا دائمًا على منصّات التواصل.
المعارضة مشروع… ورؤية… ومسؤولية… وخطة بنيوية للتغيير.
حين تتشابه الأنظمة والمعارضة في الأسلوب
المؤسف أن بعض الأصوات المعارضة تستخدم نفس الأساليب التي تنتقد بها الأنظمة:
-
شخصنة القضايا
-
التخوين
-
التهكم
-
التجييش
-
وغياب أي محتوى يحترم عقل الجمهور
والنتيجة:
خطاب بلا قيمة… ونقاش بلا جدوى… ومعارضة لا تؤثر إلا في إطار السخرية المتبادلة.
خلاصة المشهد
المشكلة ليست في سمير متيني وحده، ولا في أي شخصية بعينها، بل في مشهد عربي كامل فقد معاييره السياسية، وانشغل بتسجيل نقاط على الهواء أكثر من انشغاله بصناعة تغيير حقيقي.
وحين تصبح المعارضة مجرد استعراض صوتي، فإن أي نظام—مهما كان ضعيفًا—لن يخشى منها شيئًا.