
مباراة سوريا وفلسطين: بين براغماتية كرة القدم واتهامات فقدان الروح الرياضية
لم تكن مباراة سوريا وفلسطين مجرّد تسعين دقيقة في بطولة قارية؛ بل أصبحت عنوانًا لجدل واسع بعد أن وُجهت للمنتخبين اتهامات صريحة بعدم احترام الميثاق الرياضي، والسعي إلى التعادل عبر إضاعة الوقت بشكل أثار غضب المتابعين.
وبين من يرى أن ما حدث خيانة لروح اللعبة، ومن يعتبره “جزءًا من ذكاء كرة القدم الحديثة”، يبقى السؤال: هل فعلاً تجاوز المنتخبان الحدود المقبولة؟ أم أننا أمام مبالغة جماهيرية تقرأ المشهد بعاطفة أكبر من اللازم؟
الوقفة الأولى: مباراة بعيون الجماهير… شيء غير مريح
منذ الدقيقة الـ70 بدأ المشاهد يشعر بأن شيئًا في الملعب “انقلب”. الإيقاع تباطأ، التغييرات تكاثرت، الكرات الطويلة بلا هدف، واللاعبون يتعاملون مع الثواني كما لو كانت ذهبًا يجب الحفاظ عليه.
الجماهير علّقت بوضوح:
"المنتخبان يلعبان على نقطة واحدة… لا على الفوز."
وهنا بدأ الحديث عن إضاعة الوقت و”اتفاق ضمني” — حتى لو لم يُعلن — بأن التعادل يخدم الطرفين.
الوقفة الثانية: هل خالف المنتخبان الميثاق الرياضي؟
الميثاق الرياضي يقوم على أساسين:
-
اللعب من أجل الفوز
-
احترام روح المنافسة وعدم تشويه المباريات
وعليه، فإن أي سلوك يُظهر “تعطيشًا للمباراة” أو “قتلًا للوقت” بشكل مبالغ فيه، يضع الفريقين في منطقة رمادية.
هل كان ما حدث “إدارة مباراة”؟
أم “تلاعبًا غير مباشر بنتيجة تخدم الطرفين”؟
الحقيقة أن ما شاهدناه يقف بين الاثنين؛ فالتباطؤ كان واضحًا، لكنه لم يصل إلى درجة المخالفة القانونية المباشرة… إنما كان مخالفًا للروح الرياضية التي تنتظرها الجماهير من منتخبين لديهما تاريخ ونبض شعبي كبير.
الوقفة الثالثة: ضغط الحسابات أم ضعف ثقافة الاحتراف؟
هناك مدربون في العالم يمارسون إضاعة الوقت بطريقة منظمة واحترافية “تكتيكيًا”، لكن ما حصل لم يكن تكتيكًا بقدر ما كان فوضى في التعامل مع الضغط:
-
خوف من الخسارة
-
حسابات معقّدة في المجموعة
-
توتّر واضح في أرض الملعب
-
طاقة جماهيرية عالية ضاغطة
بمعنى آخر: لم يكن اتفاقًا… بل تواطؤًا ذهنيًا فرضته الظروف.
وهي مشكلة عامة في الكرة العربية:
"نلعب حتى نضمن، لا حتى ننتصر."
الوقفة الرابعة: ماذا عن ردود الفعل؟
الشارع الرياضي انقسم إلى ثلاثة تيارات:
1) تيار غاضب
يرى أن المنتخبات العربية يجب أن تكون قدوة في اللعب النظيف، لا أن تظهر وكأنها تبحث عن “التأهل بأي ثمن”.
2) تيار واقعي
يرى أن المباراة كانت صعبة، وأن المنتخبات مجبرة أحيانًا على اللعب بنتيجة تخدمها… وهذا يحدث حتى في أوروبا وأمريكا الجنوبية.
3) تيار ساخر
قالها بعض المعلقين:
"الفرق العربية تتفق حتى وهي لا تتفق!"
الوقفة الخامسة: ماذا خسر المنتخب السوري والفلسطيني؟
حتى لو لم يتم إثبات أي مخالفة قانونية، إلا أن الخسارة المعنوية موجودة:
-
صورة غير مريحة أمام الجماهير
-
جدل إعلامي سلبي
-
انتقادات من محللين محليين ودوليين
-
شكوك حول ثقافة الاحتراف
والأخطر:
تشويه مباراة كان يمكن أن تصبح نموذجًا للتنافس الشريف بين منتخبين أخويين.
الوقفة الأخيرة: الصراحة المؤلمة
لنكن واقعيين وصريحين:
لم يكن هناك اتفاق مباشر… لكن كان هناك قبول مشترك بأن التعادل خيار مريح.
ولم يكن هناك تلاعب… لكن كان هناك إرهاق وخوف وحسابات دفعت اللاعبين إلى قتل الإيقاع.
ولم تكن نوايا سيئة… لكن كانت قراءة خاطئة لما ينتظره الجمهور العربي.
الجماهير لا تريد بطولات فقط، بل تريد مباراة تعكس الشرف الرياضي، حتى لو خسر فريقها.
وما حدث يجب أن يكون درسًا للجميع:
النتيجة مهمة… لكن الصورة تبقى أطول من النقطة.